اقتصاد "البْرَاندات" يزدهر : ثقافة جديدة أم عبء استهلاكي؟

"الو.. ماتشا.. بيلاتس"  Alo ،Matcha ،Pilatesثلاث صيحات باتت أشبه بنمط حياة، يستخدمها الشباب اليوم  للتعبير عن أنفسهم أو طرق معيشتهم، حتى إنها باتت تشكل جزءاً من روتينهم اليومي في ظل محاولتهم للانخراط في أساليب الحياة الصحية.

قبل سنوات، لم يكن مفهوم الحياة الصحية أوسع من نطاق تناول المأكولات باعتدال وممارسة الرياضة، فيما اليوم توسّع هذا المفهوم بفضل "التراندات" التي تظهر على وسائل التواصل الاجتماعي والتي تجذب إليها شرائح كبيرة من المستخدمين.

ظهرت موضة الدمج بين "Alo Pilates" و"Matcha" في لبنان كرمز للنمط العصري والأناقة الصحية رغم الأزمة الاقتصادية. 

صحيح أنه لا يوجد أرقام واضحة تظهر حجم الإيرادات المتولّدة من هذا النمط المعيشي، إلا أن حجم التفاعل على وسائل التواصل الاجتماعي حول هذا النمط، ارتفع بين العامين 2024 و2025 بشكل لافت، وبات نوعاً من الرموز الاجتماعية.

 

ما هو اقتصاد "التراندات"؟

تظهر بين الحين والآخر، "تراندات" تسويقية، تجذب اهتمام شرائح كبيرة من المستخدمين، وتصبح عابرة للحدود بساعات معدودة بفضل وسائل التواصل الاجتماعي. ويمكن تعريف هذا النوع من التراندات أو الصيحات، بأنه نظام اقتصادي-اجتماعي يقوم على توليد واستثمار الاهتمام الجماعي لسلعة أو فكرة معينة عبر وسائل التواصل، ما يؤدي إلى زيادة الإقبال على المنتج "التراند" وبالتالي توليد عائدات مالية وإيرادات لمطلقي التراند.

تقول المرشدة السياحية باتريسيا مهنا (24 عاماً)، لـ"المدن" إنّ التراند "يشكل جزءاً من هويتها، خصوصاً وأنها تعمل في مجال السياحة وتسعى إلى مواكبة كل ما يطلق على وسائل التواصل الاجتماعي". وتنفق مهنا "ما لا يقل عن 250 دولاراً شهرياً على التراندات الخاصة بالعناية بالصحة الجسدية والعقلية".

وبحسب مهنا، يحكمها عملها بمواكبة هذه التراندات والإنفاق عليها، إذ تنفق "نحو 80 دولاراً في صالات الرياضة، وما يقارب من 100 دولار لشراء بعض المكمّلات الغذائية، ونحو 40 دولاراً لممارسة رياضات روحية، على غرار صفوف اليوغا".

لعبت وسائل التواصل الاجتماعي دوراً واسعاً في إطلاق "التراندات" عالمياً، وساعد المؤثرون على منصات تيك توك، وأنستغرام وغيرها، في تحول أذواق المستهلكين من نمط الحياة العادية إلى نمط الحياة العصرية التي يتبعها المشاهير. وعلى الرغم من أن هذا التحول خلق فرصاً اقتصادية هامة، إلا أنه في الوقت نفسه أعاد تشكيل سلوك المستهلكين وساعد في ارتفاع نسبة إنفاقهم على منتجات أو "تراندات" قد لا تكون آمنة في بعض الأحيان، ناهيك عن خلق ضغوط اجتماعية عديدة.

 

ماذا عن الأرقام؟

تشير تقارير صادرة من مؤسسة  Exploding tradingإلى أنه خلال النصف الأول من العام 2025، كانت منتجات العناية بالبشرة ومنتجات خسارة الوزن، وبعض المنتجات الكمالية كالألعاب أو الإكسسوارات، في قائمة التراندات على وسائل التواصل الاجتماعي، والتي حققت إيرادات خيالية لمؤسساتها. فعلى سبيل المثال، بات مستحضر Bakuchiol Serum للعناية بالبشرة، والذي حقق نمواً ناهز 800 بالمئة، في قائمة التراندات، تبعها حبوب الكيراتين، وإبر التنحيف التي ناهز نموها منذ ثلاث سنوات 9600 بالمئة. وفي النصف الأول من عام 2025، حقّقت منتجات الدمى Labubu إيرادات تقارب418  مليون دولار على المستوى العالمي، إذ تحولت Labubu إلى رمز للموضة بين الشباب، وظهرت في محتوى العديد من المشاهير والمؤثرين.

 

كم تنفقون؟

تنفق ناديا ضو (موظفة في العقد الثالث من عمرها) "نحو 200 دولار شهرياً، على منتجات العناية بالصحة والتراندات المتعلقة بذلك، من منتجات حرق الدهون ومنتجات تعنى بجمال البشرة، وشراء صيحات الموضة".

وتقول لـ "المدن" إنّها انجذبت "بشكل لافت إلى منتجات العناية بالصحة، خصوصاً وأن المؤثرين على وسائل التواصل لديهم القدرة على الإقناع، ويقدمون المنتج بطريقة دعائية مبتكرة". وتضيف أن بعض المنتجات "تعد جزءاً من روتيني اليومي ولا يمكنني الاستغناء عنها".

تروج وسائل التواصل الاجتماعي بشكل أساسي، لكل المنتجات المتعلقة باقتصاد العافية، والذي لا يتضمن منتجات خاصة بالصحة وحسب، بل كل ما له علاقة بالعناية النفسية والسفر ومحاربة الشيخوخة. وينمو هذا النوع من الاقتصاد، بسبب التوجهات العالمية الجديدة للاهتمام بالصحة الجسدية والعقلية والنفسية للإنسان. وبحسب الدراسات، من المتوقع أن يصل نمو اقتصاد العافية إلى 9 تريليونات دولار بحلول عام 2028.

وكشف بحث أجراه معهد العافية العالمي عن سوقٍ للعافية يشهد زخماً متواصلاً، حيث زادت قيمته بنسبة 26 بالمئة عما كان عليه قبل جائحة كورونا. ووفق البحث، شهدت أسواق العافية في جميع مناطق العالم نمواً قوياً، حيث سجلت أمريكا الشمالية وأوروبا والشرق الأوسط وشمال إفريقيا أكبر المكاسب.