الأبرياء يدفعون الثمن دائماً: رصاصة تقتل طفلاً أمام والده

لا ينتهي الموت في هذه البقعة الجغرافية جنوب العاصمة بيروت، فاستسهال إطلاق النار، وتواجد السلاح الفردي بشكل كبير ورخيص، يجعل حياة المرء بخطر كلما غادر منزله. فهنا لا يكفي المثل القائل "بمشي جنب الحيط وبقول يا رب السترة". فأحياناً لا يكفي الحائط لتأمين الحماية. وبغياب هيبة الدولة وقوة القانون والخشية من العقاب، لا يبقى سوى العطف الإلهي للتعويل عليه.

مقتل الضحايا الأبرياء مستمر
في تقرير سابق بعنوان " حروب نفوذ بين عصابات الضاحية.. ورصاص يقتل العابرين"، تحدثنا عن مازن سليم وكيف كان ضحية إشكال لا علاقة له فيه، لكن بعد التدقيق الأمني يتبين أن قصة مازن، وقبله قصة الطفل السوري في محل الخضار ليستا يتيمتين. إذ لا يمر شهر في الضاحية الجنوبية من دون سقوط ضحية "لا ناقة لها ولا جمل" بالإشكالات التي تحصل، أحدثها بحسب مصادر متابعة ما حصل الثلاثاء 18 نيسان في منطقة الأوزاعي، حيث أصيبت امرأة برصاصة ناجمة عن إشكال مسلح، يُقال أنه بين صرافين.

تستمر المصادر بذكر الحوادث المشابهة، ففي 23 آذار الماضي، قُتل طفل لم يبلغ الحلم برصاصة داخل كاراج لتصليح السيارات في منطقة الطيونة. وحسب التفاصيل التي ترويها المصادر، فعند الساعة  الخامسة عصراً حصل إشكال في الكاراج بين المدعو ح. ش. وم. ع، كان قد بدأ خارج الكاراج وانتقل إلى داخله، تطور الى إطلاق نار، نتج عنه إصابة طفل بشظايا رصاصة مرتدة من السقف، كان يتواجد في المكان مع والده الذي يصلح سيارته. لم يُكتب للطفل النجاة، فتوفي بعد نقله إلى المستشفى.

قبلها بثلاثة أيام فقط، في 20 آذار الماضي، عند الساعة 10:40 دقيقة ليلاً، قُتل الشاب محمد اسماعيل بالخطأ بعد إصابته برصاصة جراء تعرّض المبنى الذي كان يجلس تحته في منطقة صبرا الشارع الرئيسي، إلى "رسالة من رصاص" أطلقه مجهولون يستقلون سيارة جيب سوداء اللون.

وحسب المصادر فإن هذه الرسالة النارية يُشتبه بعلاقتها بالاشتباكات المسلحة التي وقعت في 6 آذار الماضي في منطقة الجناح- السلطان ابراهيم، حيث تلفت المصادر النظر عبر "المدن" إلى أن تداعيات ذلك الإشكال لم تنته بعد، ولا تزال تُسجل بين الحين والآخر ترددات لها، كان آخرها مقتل الشاب الذي لا علاقة له بشيء.

سقوط الهيبة..
كثيرة هي حالات إطلاق النار في الضاحية، فعدد الإشكالات التي لا تشهد إطلاق نار بات ضئيلاً جداً مقارنة بالسنوات السابقة، والسبب حسب المصادر غياب الخوف من العقاب. فالموضوع يتعلق بهيبة الدولة لا وجودها، لأنها موجودة وتعمل على توقيف العشرات أسبوعياً، وتودعهم القضاء، لكن المشكلة لا تبدأ عند التوقيف، بل تنتهي بالتوقيف بسبب اكتظاظ السجون وبطء الإجراءات القضائية.

كذلك تُشير المصادر إلى أن أغلب المشاركين بحالات إطلاق النار هم من المطلوبين، لذلك يعتبرون أن كل شيء مباح أمامهم قبل توقيفهم، لأن مذكرة التوقيف الواحدة تشبه عشر مذكرات توقيف، وهذا ما يجب التشدد به بالمستقبل، لمحاولة ردع استعمال السلاح كلما وقع إشكال.

بداية شهر آذار أدخلت المحكمة العسكريّة الدائمة تعديلات على أحكامها، تتعلق بعقوبة إطلاق النار، لكنها طالت الغرامات، فصارت بالنسبة للمدّعى عليهم وجاهياً السجن شهراً مع فرض غرامة أربعة ملايين ليرة، بعدما كانت 2 مليون ليرة، إضافة إلى 30 مليون ليرة كبدل بندقيّة حربيّة بعد أن كانت 4 ملايين ليرة. حسب سعر صرف الدولار، فإن الغرامات تم تخفيضها لا رفعها، لكن القضية ليست هنا، بل بالهيبة التي لم تعد قائمة، وقبل استعادة هذه الهيبة لا مجال للحديث عن قمع للمجرمين، وهنا دور الدولة والأجهزة والأحزاب الفاعلة في هذه المناطق.