المصدر: المدن
الكاتب: فاطمة البسام
الاثنين 17 تشرين الثاني 2025 15:52:50
بعد عامٍ على انتهاء الحرب، لا تزال الأبنية المتصدّعة في الضاحية الجنوبية لبيروت، تذكّر السكان بأنّ آثار الدمار لا تزول بانتهاء القصف. فمع اقتراب فصل الشتاء، يتجدّد الخوف من انهيار تلك المباني التي تضرّرت أساساتها وخرسانتها نتيجة الضربات المباشرة وغير المباشرة، لتتحوّل إلى قنابل موقوتة تهدّد حياة الناس في أي لحظة.
تساقط كتل اسمنتية من المباني
في منطقة الكفاءات – شارع أبي طالب مثلاً، تصف أماني شعيتو لـ"المدن" المشهد بالقول: "لا توجد بناية إلا وبجوارها أو خلفها بناية مهدّمة. عانينا كثيراً من هذا الواقع، خصوصاً في الفترة الأولى عندما كانت تُستهدف الأبنية بشكل مباشر، وكنا نعيش حالة توتّر دائم خوفاً من أن تتهاوى في أي لحظة. اليوم، ومع كلّ زخة مطر، يعود ذلك الخوف من جديد، إذ لم تعد الحرب تنتهي بانفجار، بل تستمر في تصدّعات الجدران وتشقّقات الأرض."
في منطقة بئر العبد، يقف أبو ربيع برجاوي أمام دكّانه الصغير في شارع ساندريلا رافضاً إخلاءه ومتمسّكاً بمصدر رزقه رغم الخطر المحدق من حوله. فهو كما يؤكد لم يتلقَّ أي تعويض للانتقال إلى مكانٍ آخر. ويقول: "أملك هذا الدكان منذ نحو ستّ سنوات وهو مقصود جداً من الزبائن. بعد الحرب، تعرّض المبنى الملاصق للقصف، وبعد الكشف تبيّن أنّه يحتاج إلى هدم كامل. وأبلغنا المتعهّد أن أعمال الهدم لن تؤثر علينا، وأنه سيضع خيمةً لحمايتنا من تساقط الركام. لكن تلك الخيمة لم تبصر النور. وقد تراجعت المبيعات إلى أكثر من النصف لأن الناس تخشى المجيء خوفًا من تساقط حجارة المبنى".
إصلاحات طفيفة لزوم السكن
يقول الخبراء إنّ المشكلة لم تعد تقتصر على الأبنية المتضرّرة بشكل مباشر، بل تشمل أيضاً المباني الملاصقة التي تأثّرت بالعصف وبالاهتزازات المتكرّرة. وتوضح رئيسة الهيئة اللبنانية للعقارات، إنديرا الزهيري لـ"المدن" أنّ "الكثير من الأبنية لم تعد صالحة للسكن أو الاستخدام، بسبب تضرّر خرسانتها وأساساتها إلى حدّ لا يمكن معه إجراء أي ترميم أو تدعيم. ومع اقتراب الشتاء، يزداد الخطر، لأنّ الأمطار ستتسرّب إلى الشقوق، ما يسرّع عملية الانهيار الجزئي أو الكلي".
وتلفت الزهيري إلى أن "اللجنة" تابعت ميدانياً عبر مهندسين من الهيئة الإدارية حالة الأبنية في الضاحية لناحية سلامة الخرسانة، وإذا كانت تستدعي الهدم. وتقول: "للأسف، عاد عدد كبير من السكان إلى بيوتهم بعد الحرب وأجروا تصليحات بسيطة تسمح لهم بالبقاء، في ظلّ غياب الدعم الفعلي أو أي خطة واضحة للترميم. هذا الواقع لا يهدّد فقط الشاغلين، بل يمتد تأثيره إلى الأبنية المجاورة، والأسواق التجارية، والمدارس، وحتى المؤسسات الرسمية القريبة."
تسكن زينب رزق، وهي أم لطفلين، في منطقة المريجة التي تعرّضت لقصفٍ كثيف أثناء الحرب. وقد طال الاستهداف المبنى الذي تقطنه، إذ أصيبت إحدى الشقق في الطابق السفلي بصاروخٍ. وتقول: "عدنا إلى المبنى قبل أن تُجري اللجان الكشف عليه، وعلى مسؤوليتنا الشخصية، لأننا لا نستطيع تحمّل نفقات الإيجار في مكانٍ آخر. قمنا ببعض التصليحات البسيطة كي نتمكن من العودة إلى شقتنا، فيما تولّت اللجان إزالة الركام من الشقة السفلية."
وتضيف: "نعيش في حالة توترٍ دائم وخوفٍ مستمر، خصوصاً أنّنا شعرنا قبل أيامٍ بهزةٍ أرضية خفيفة، فانتابنا الرعب من احتمال تشقق الأساسات أو انهيار المبنى."
انسداد المجاري والصرف الصحي
من جانبها تحذّر الزهيري من أنّ أولى الأمطار قد تحمل معها انهيارات جديدة، ليس فقط في الأبنية المهدّدة، بل أيضاً في البنى التحتية المحيطة، نتيجة الردميات والنفايات الإلكترونية التي لم تُزل بالكامل بعد. وتقول: "عند أول هطول للأمطار سنشهد انسداداً في المجاري والمصارف المائية، ما يؤدي إلى سيول وفيضانات قد تُفاقم الضرر على الأبنية الهشّة وتُحدث كوارث إنسانية جديدة". وتنوّه بأن "البلديات تبدو عاجزة أمام حجم الكارثة المحتملة. فعمليات المسح الميداني للأبنية المتضرّرة لا تزال محدودة، وقرارات الإخلاء نادرة، خصوصاً أن الأهالي يرفضون مغادرة منازلهم خوفاً من التهجير مجدداً أو لعدم وجود بدائل سكنية".
تعيش أم إبراهيم بزي، التي تقطن منطقة تحويطة الغدير، حال من القلق اليومي. وتؤكد أن حديث الصباح بين الجيران يطغى عليه القلق من تساقط الحجارة من المباني التي تضرّرت بالقصف في محيطهم. وتقول: "نحن نعيش قلقاً دائماً، خصوصاً الأمهات، خوفاً على أولادنا حتى عندما يذهبون إلى الدكان".
وتلفت إلى أن أعمال الصيانة مستمرة في المنطقة، إلا أن هذا لا يلغي مخاوفهم مع قرب مجيئ فصل الشتاء. وتضيف: "تم تسوية الطريق الفرعي الذي نسلكه سيراً على الأقدام للدخول إلى الحي، لكن الأرض تبدو وكأنها فُلِحت، من دون طبقة زفت، ومع أول هطول للأمطار سيتحوّل الطريق إلى مستنقع من الوحل".
هدم كلي وجزئي للمباني
بحسب تقرير البنك الدولي تسبّب القصف الإسرائيلي بدمار جزئي أو كلي لأكثر من 100 ألف وحدة سكنية في الضاحية الجنوبية. وأشار التقرير إلى أنّ 18 في المئة من هذه الوحدات دُمّرت بالكامل، فيما تعرّض القسم الباقي لتدمير جزئي وضرر ملحوظ مباشر أو غير مباشر. ووفقاً للمهندس علي الحركة، عضو بلدية حارة حريك ورئيس اللجنة الفنية، هناك نحو 15 مبنى صُنّفت حالتها "هدم كلي"، إضافةً إلى عدد آخر يتطلّب هدمًا جزئياً، وذلك استناداً إلى تقارير اللجان الرسمية المكلّفة بمعاينة الأضرار، ومن بينها مكتب "خطيب وعلمي".
وأشار الحركة إلى أنّ أعمال الهدم بدأت فعلاً وتشمل المباني المتصدّعة بشدّة، لافتاً إلى أنّ الهدم الجزئي أكثر تعقيداً من الهدم الكامل، إذ يتطلّب تدعيماً للمبنى قبل المباشرة بالعمل حفاظاً على السلامة العامة. وأضاف أنّ عمليات رفع الركام مستمرّة في مختلف أحياء الحارة.
أما بالنسبة لتأثير الأمطار المقبلة، فأوضح أنّ طبيعتها الأسيدية تُسرّع من عملية تآكل الحديد داخل الأبنية المتضرّرة، غير أنّ هذه العملية تحتاج إلى سنوات لتظهر نتائجها، "لذلك بادرنا إلى تنفيذ الهدم قبل أن تنهار هذه المباني من تلقاء نفسها".
وحول البنية التحتية، نبّه الحركة إلى أنّ الخطر الحقيقي يكمن في تصريف مياه الأمطار في حال تساقطها بغزارة، واحتمال تسرّبها إلى المستودعات والمنازل السفلية، مؤكداً أنّ أعمال الصيانة والتأهيل في الضاحية الجنوبية ما زالت جارية.