المصدر: صحيفة الأنباء
الثلاثاء 23 آب 2022 06:50:49
كأن ما يحدث في لبنان هو في كوكب خارج الأرض، فلا مراصد للسلطة تكتشفه، ولا تلسكوبات لديها تلتقط ما يجري. كل ما يحدث في لبنان لا تراه عين مسؤول، ولا تحرك فيه ذرة من مسؤولية. الهموم في مكان آخر والحسابات لا تتطابق مع حسابات بيدر المواطن الذي وجد نفسه مرة جديدة في طابور جديد، إما أمام محطة وقود أو أمام فرن وغدًا أمام سوبرماركت، هذا إذا توفرت في جيبه أموال أكلها الارتفاع المتواصل لسعر صرف الدولار.
والأخطر، مع غياب المعنيين عن أي معالجات، ما تحذر منه مصادر مطلعة وهو أن ما يشهده لبنان اليوم هو بداية الأزمة وليس نهايتها، وأن الأمور ذاهبة من سيئ إلى أسوأ طالما لا يوجد أحد في السلطة يقدّر حجم الكارثة التي يتخبط بها اللبنانيون. وكل قطاع في الدولة يغني على ليلاه.
وتوقفت المصادر عينها في حديثها لـ "الأنباء" الإلكترونية عند أمرين: اعلان رئيس حكومة تصريف الأعمال نجيب ميقاتي إحالة مشروع الدولار الجمركي الى مجلس النواب ما يعني دفنه في مقبرة اللجان المشتركة، وبالتالي عدم تأمين الإيرادات المالية لدفع رواتب موظفي القطاع العام، ما يعني استمرارهم بالإضراب الذي ناهز الشهرين. أما الأمر الآخر فهو عودة مشهد الطوابير أمام محطات المحروقات. وهذا يؤكد ان الازمة في بداياتها، وأن الحديث عن حل قريب مبالغ فيه كثيراً.
في هذا السياق لخص الخبير المالي والاقتصادي أنطوان فرح الأسباب الكامنة وراء ارتفاع الدولار الأميركي والضجة القائمة حول ما يسمى الدولار الجمركي، كاشفا في حديث لـ "الانباء" الالكترونية عن أن الدولار الجمركي الذي كان يفترض ان يكون مصدر إيرادات إضافية للخزينة بهدف تصحيح رواتب القطاع العام تحول الى أزمة مالية، ومنها الى ازمة سياسية. فنحن نرى اليوم الأطراف السياسية تتقاذف كرة النار ولا يوجد أي طرف يريد ان يأخذ بصدره هذا الامر وأن يقول إنه جاهز لتحمل المسؤولية، لأنه ينبغي أن نؤمن إيرادات. وأشار فرح إلى ان اجواء رئيس الحكومة أثناء لقائه مع الهيئات الاقتصادية توحي بأنه قرر أن يعيد كرة النار الى المجلس النيابي ليتدبروا أمرهم، وهذه ستكون مشكلة كبيرة اذا لم نتوصل الى صيغة مقبولة تحمي الناس نسبيًا وتؤمن ايرادات لتحسين رواتب القطاع العام لإعادته الى العمل، وسنكون أمام كارثة حقيقية لأننا نصبح أمام خيارين، إما سنترك القطاع العام مشلولا وهذه كارثة بكل المقاييس، وإما سنوعز الى مصرف لبنان بطباعة المزيد من الليرات لتوزيعها على موظفي القطاع العام ونكون قد دخلنا ايضا في الحلقة المفرغة. وفي الحالتين نحن أمام مشكلة كبيرة لأن السلطتين الاجرائية التنفيذية والتشريعية لا تريدان أن تتحمل المسؤولية.
وعن ارتفاع سعر صرف الدولار، يرى فرح أنه من الواضح ان مصرف لبنان الذي كان يتدخل بقوة في السوق الحرة عبر منصة صيرفة قد خفض من حجم تدخله. ويبدو أن تدفق الدولارات الذي كان بمنسوب مرتفع نسبياً خلال شهر تموز خفّ ربطا ببدء تراجع أعداد السياح القادمين الى لبنان، وبالتالي موضوع الدولار وارتفاعه وانخفاضه مجددًا أو ثباته يرتبط بقرار يتخذه مصرف لبنان بالتدخل في الوقت الذي يرتئيه، متوقعاً تدخل المصرف في الساعات المقبلة لأنه في المقابل بدأ برفع الدعم تدريجيا عن البنزين وبالتالي سنشهد ارتفاعا في أسعار المحروقات وضغطا إضافيا قد يضطر معه المصرف لبنان الى التدخل لتخفيف هذا الضغط.
من جهته أكد ممثل نقابة موزعي المحروقات فادي ابو شقرا عبر "الأنباء" الالكترونية ان الموزعين تبلغوا من مصرف لبنان أن عليهم تأمين نسبة 45 في المئة بالدولار بحسب أسعار السوق السوداء وأن الـ 55 في المئة يجب ان تؤمن على سعر صيرفة البالغ 26900 ليرة. وقال أبو شقرا: "اليوم شهدنا ارتفاعا بجدول الأسعار 16 ألف ليرة وهذا المبلغ شكل الـ 45 في المئة زيادة تؤمن من السوق السوداء، فبلغ سعر صفيحة البنزين 591 ألف ليرة"، مشيرا إلى أنه بعد فترة سيسدد ثمن البنزين بالدولار مئة في المئة.
وعلى هذا المنوال فإن الأزمات التي تتراكم دون حلول معطوفة على الواقع السياسي المقفل أمام اي خطوة، تضع اللبنانيين في دوامة مستمرة لا تنتهي.