المصدر: النهار
الكاتب: سركيس نعوم
الأربعاء 20 تشرين الثاني 2024 08:01:01
تساءل اللبنانيون مراراً وخصوصاً الذين منهم جزءٌ من محور المقاومة الذي يضمّ إلى بلادهم سوريا و"غزة حماس" والعراق واليمن وزعيمته بل مؤسسته إيران الإسلامية عن سبب إحجام سوريا بشار الأسد عن الاشتراك في "حرب إسناد غزة" التي بدأها فعلياً "حزب الله" اللبناني الوطن الإيراني الإسلامي الإيديولوجيا. طبعاً لم تكن الأوضاع والتطورات العسكرية تسمح بإثارة هذا الموضوع في ظل استمرار سوريا، بقرار واضح من نظامها، في تسليم مساعدات عسكرية إيرانية لـ"الحزب"، وتخزينها كما في السماح بإمرارها له وتحديداً إلى مناطق نفوذه في البقاع والجنوب والضاحية الجنوبية للعاصمة. هذا الموضوع أثار التساؤلات حول أسبابه والدوافع وحول المسار الذي سيسلكه الأسد ونظامه في ضوء تحوّل "حرب الإسناد" حرباً ثنائية طاحنة بين إسرائيل و"الحزب".
هل من أضواء يمكن إلقاؤها على وضع سوريا الأسد وهي أحد الأعمدة الأساسية في المرحلة الراهنة لـ"محور المقاومة"؟ البقاء بالنسبة إلى النظام السوري كانت له دائماً الأولوية عنده. وقد أظهرت إشارات عدة أعطاها الرئيس الأسد إلى رغبته في تجنّب مواجهة عسكرية مباشرة مع إٍسرائيل وسط التحديات المتصاعدة. لكن علاقاته الوثيقة مع إيران ووجود "حزب الله" عبر الحدود في لبنان ودور سوريا كممر "ترانزيت" للأسلحة من إيران إلى "حزب الله" جعلته يرى بوضوح أنه سيواجه وضعاً محفوفاً بالأخطار. هذا ما يعتقده باحث مهم في مركز أبحاث أميركي جدي جداً موجود في العواصم الكبرى في العالم وحيث تفرض التطورات والأحداث وجوده خارجها. لكنه لفت إلى أن سوريا كانت قد استعادت بعضاً من أهميتها كدولة محورية مع روسيا ودول عربية وبعضاً من الانتباه. لكن "وحدة الساحات" لم تكن يوماً عاملاً في السياسة الخارجية السورية. وهي اعتبرت حرب غزة فرصةً أخرى لتحقيق مصالحها وذلك باستغلال الظروف لتقوية علاقاتها الثنائية مع الدول العربية. كان النظام السوري يأمل أيضاً الإفادة من "صفقة" محتملة يمكن أن تشمل غزة و"حزب الله" ولبنان وإيران ولاعبين إقليميين آخرين. إلا أن إسرائيل كانت لها مخططات أخرى.
لكن عند انتشار النار ولهيبها خارج غزة وشمولها لبنان وسط هجمات إيرانية – إسرائيلية متبادلة وجدت سوريا نفسها محفوفةً بخطر الانجرار إلى صراع كله أخطار جسيمة. فامتنعت عن الالتزام بـ"وحدة الساحات" وبذلت جهوداً كبيرة ولا تزال لتلافي ضربات إسرائيلية لها. طبعاً ساعد "حزب الله" عسكرياً في إنقاذ الأسد ونظامه من ثورة إصلاحية تحوّلت حرباً إسلامية متشدّدة، لكنه أصبح الآن عائقاً أمام استقرار نظامه إذ من شأنه دفع إسرائيل إلى التدخل المباشر في سوريا.
طبعاً، يقول الباحث الأميركي نفسه، صعّدت إسرائيل ضرباتها لموجودات إيران – "حزب الله" في سوريا. وتفيد التقارير أن إسرائيل تعزّز قواتها في الجولان السوري وتنزع الألغام من مناطق معيّنة فيه. يهدّد ذلك باحتمال حصول حرب واسعة. تفيد أيضاً أن أيّ ضربة إسرائيلية لـ"حزب الله" تُضعف نفوذ سوريا في لبنان (هل لا يزال موجوداً؟) وتعطّل الدور الذي مارسته دائماً وهو اعتبار لبنان المالي والتجاري ضرورياً لحياتها. هذا فضلاً عن أن الأتراك بدأوا تقوية مواقعهم وتحصينها في إدلب و"الجزيرة"، وعن أن "هيئة تحرير الشام" ومجموعات مسلمة أخرى تعدّ قواتها وتحرّكها. طبعاً لا يعني ذلك أن الحرب داهمة. لكنه يعكس قلق أنقرة من مواجهة بين إيران وإسرائيل يمكن أن تقود إلى تغيير في الخريطة الجيوسياسية لسوريا. ومن شأن ذلك إضعاف نظام الأسد أو انهياره واختفاؤه وفي الوقت نفسه إضعاف دور إيران في سوريا. لكن حتى الآن لا يزال هناك بعض توازن.
هل أتاحت "وحدة الساحات" لنظام الأسد تجنّب عمليات انتقامية إسرائيلية؟ ربما، يجيب الباحث نفسه، لكن ذلك وحده غير كافٍ لحماية سوريا من أخطار مستقبلية، إذ بالنسبة إلى إسرائيل تبدو العودة إلى الوضع السابق لـ7 أكتوبر 2023 غير مقبولة ولم تكن مقبولة سواء في غزة أو في لبنان. وهذا منطقٌ ينطبق على سوريا، وقد أنذر جدعون ساعر قبل أن يُصبح وزير الخارجية الجديد لإسرائيل الرئيس الأسد بقوله "إن استمرار سوريا طريقاً لإمداد "حزب الله" بالأسلحة، أو لسماحها بهجمات على بلاده من أراضيها سيضع نظامها في خطر".
هل تشكّل سوريا تهديداً مباشراً لإسرائيل؟ واضحٌ جداً أنها لا تشكّل تهديداً كهذا. لكن إٍسرائيل يمكن أن تراقب وتحلّل الأخطار عليها بمتابعة وتفسير أمرين، الأول توقّع إمكان تفكيك سوريا البنية التحتية لـ"حزب الله" على أرضها الذي تدعمه في لبنان. أما الثاني فهو حاجة سوريا إلى التوقّف عن كونها ممراً لأسلحةٍ إيرانية وخصوصاً إذا بدا أن الأسد غير قادرٍ على تنفيذ قرارات يتخذها في هذا المجال. في النهاية، أهداف الرئيس الأسد الآن هي: البقاء و"الإبحار" في الأزمة بخسائر قليلة. وهو ربما يعترف بأن "وحدة الساحات" مقامرة حظّها في النجاح قليل. وهمّه أيضاً هو البقاء وللنجاح في ذلك عليه أن يسير على حبلٍ مشدود يُمسك به أكثر من لاعب.