الأسواق والمحلات تفتقد روّادها والشّمعة الواحدة بـ 10 دولار

كتبت مارينا عندس في "الديار":

 

تطلّ علينا الأعياد هذا العام، بأسوأ أزمةٍ ماليةٍ شهدها لبنان، من حيث عملته الوطنيّة التي انهارت مقابل الدّولار الأميركيّ، وتضخّم الأسعار وإفلاس معظم مصارفنا.

لكنّ الأزمة الحادّة لا تمنع الناس من شعورهم ببهجة العيد، ولو كانت بسيطة من ناحية تحضيرات المأكولات الشهيّة والحلويات وشراء الملابس الجديدة لاسيّما الأطفال الذين ينتظرون يوم الشعانين بفارغ الصّبر ليحملوا الشموع المزينة وأوراق الزّيتون.

 

لكن الأوضاع المعيشيّة الصّعبة التي يرزح تحتها المواطن اللّبناني، هل لا زالت تسمح له بأن يستعدّ لاستقبال العيد كما في السّابق؟

 

شمعة الشعنينة بـ10 دولار !

تسوّقت السّيدة رنا على مدى يومين، علّها ترى شمعة للشعانين تناسب إمكانياتها المادّية ولا تتمكن من شرائها. وتقول في حديثها للدّيار، إنّ الشّمعة المزيّنة بـ10 دولار، أي حوالي المليون ل.ل. وهو رقمٌ صعبٌ في هذه الأيام، حسب قولها. مؤكّدةً أنّ هذا العام يبدو أصعب من العام الماضي بكثير، خصوصًا وأنّ التكاليف ارتفعت جدًا والأسعار باتت خياليّة.

 

وتكمل: طفلتي صغيرة يحقّ لها أن ترتدي الفستان الجميل والجديد وتتباهى أمام صديقاتها بملابسها ولكن للأسف هذا العام لم أشتري لها الثياب لأن إمكانيّاتي المادية لا تسمح بذلك. للأسف، فستان طفلة صغيرة لا يقلّ عن 50 دولارا وبالتّالي، بات التسوّق فقط للأغنياء ولا ندري ما إذا هنالك أغنياء بعد أم لا.

وتابعت مؤكّةً أنّها حضّرت الحلويات بكميةٍ قليلةٍ هذا العام، واختصرتها بكيلو كعك بحليب مع كيلو معمول «بالتمر». وضحكت وهي تقول:» مين معو يجيب فستق ولوز؟».

حالة رنا تختصر القليل من معاناة الشعب اللبناني وكيف أنّ روتينياته وطقوسه تغيّرت تزامنًا مع الأزمة المادّية الحادّة.

 

تجار الألسبة يصرخون :الإفلاس واقعنا

منذ انتشار فيروس كورونا، اعتاد الزّبائن على شراء البضاعة عن طريق «الاونلاين»، احترامًا للارشادات الصّحية والتباعد الإجتماعي. ومنذ ذاك الحين، انتشر التّسوق الاكتروني وصولًا إلى تهديد كيان السّوق والمحلات الشعبية والتجاريّة.

والآن، مع ارتفاع صفيحة البنزين واختصارًا للوقت، بات التسّوق الافتراضي أسهل وأكثر انتشارًا من غيره، وأقل تكلفةً. فماذا عن الأسعار؟

تقول صاحبة إحدى صفحات الحقائب عبر انستغرام، إنّ الحقيبة الواحدة تباع بـ35 دولارا بحدّها الأدنى نسبةً لجنون الدّولار وارتفاع المعيشة في البلد. وتكمل: صحيح أنّ الوضع الاقتصاديّ لا يطمئننا كأصحاب محلّات اونلاين، إلا أنّنا نعتمد على الطلبية الكبيرة.

وتكمل: معظم الزبائن عندما تتواصل معنا عبر «واتساب»، وترى الأسعار، تراها مكلفة وتفضّل ألا تشتريها. لكنّنا نعدّ أفضل من الذين يفتحون محالٍ في الأسواق ويتكلفون باستعمال وسائل تدفئة وموظّفين وايجارات.

 

وفي السياق نفسه، يؤكّد طوني أنّه لم يشتر أي قطعة ثياب منذ سنتين، معتبرًا أنّ التسّوق بات من الرفاهيات ومن يشتري اليوم بنطلون يعتبر غنيًا.

 

وقال: زوجتي تذهب من فترةٍ لأخرى إلى البالة، وتحاول قدر المستطاع تأمين الحاجات الضروريّة مثل الجاكيت الأسود والبني مثلًا، والجزمة للشتاء وشراء بعض الأغراض للأطفال. ولكن للأسف المولات وشوارع جديدة وفرن الشباك والكسليك لم نعد نزورها نهائيًا. أمّا تجّار الألبسة يصرخون: الإفلاس واقعنا.

 

عانت الدولة اللبنانية في الفترة السّابقة كسادًا اقتصاديًا، كان سببه إنكماش النمو في إجمالي الناتج المحلي بنسبة 20.3 %، بالإضافة إلى وصول معدّلات التضخم لأكثر من 100 %، فضلاً عن أن سعر صرف الليرة اللبنانية يشهد تدهورًا غير مسبوق، ومعدّلات الفقر تتزايد بشكلٍ حادٍ. وبات أكثر من نصف اللبنانيين تحت خط الفقر، وفقدت الليرة اللبنانية أكثر من90 % من قيمتها أمام الدولار، فيما إرتفعت أسعار المواد الأساسية الى أكثر من 700 %.. كل هذه المأساة وغيرها، حوّلت حياة المواطن اللبناني إلى حزنٍ وبؤسٍ نسي فيها طعم العيد.

صحيح أنّ قسمًا لا بأس به من النّاس يتقاضى راتبه بالفريش دولار، إلّا أنّ القسم الأكبر لا يعرف معنى العيد، وبات كل همه تأمين لقمة عيشه ودوائه، إن وجد.

لقد كان بمقدور معظم الشعب اللبناني، أن يعيش بكرامةٍ لكنّ اليوم، وبعد كل هذه المشاكل التي تنتابه، باتت الحياة في أرضه صعبة للغاية، خصوصًا للموظّف في الإدارات الرّسمية. وبعد دولرة الأسعار بأكملها، إلا أنّ الرواتب لا تزال بالعملة الوطنيّة، أو بالأحرى أضحى يحتسب قسمًا صغيرًا منها بالدّولار والقسم الآخر بالعملة الوطنية.

وبالتالي، أي جاكيت أو بنطلون جينز يمكننا شراءه على العيد، قد يساوي راتبًا كاملًا للبعض.

 

حتّى لقمة العيش في لبنان باتت مهدّدة وللأسف، نتيجة الأوضاع المذرية في لبنان منذ سنتين وأكثر. ولأنّ الفقر ازداد، لم يعد هنالك خجل في التّكلّم عن الموضوع، بل التظاهرات والمطالب ازدادت لتبقى الكرامة محفوظة. آخرها مطالب العمّال والمعلّمين والعسكر المتقاعد والنقابات وغيرها من القطاعات التي أعطت كل ما لديها من تعبٍ ووقتٍ، لتصل إلى ما هي عليه اليوم. وبعد أن اعتاد المواطن اللبناني على حياة الرّفاهيّة «والسّهر والَضّهر» والمشاوير، ها هو اليوم قسم كبيرمن الشعب يعاني، لأنّه بات مهدّدًا بقوته اليومي بعد أن شملت الأزمة، الخبز والقمح واللحمة والدجاج، وإلى ما هنالك من امور حياتية.