المصدر: المدن
الخميس 9 أيلول 2021 18:41:21
كتب خضر حسان في المدن:
تنتظر مؤسسة كهرباء لبنان جرعات تفاؤل لزيادة ساعات التغذية، أقربها الفيول الذي ستؤمّنه شركة إينوك الإماراتية، بعد استبدالها النفط العراقي، وأبعدها الغاز الآتي من مصر إلى معمل دير عمار، أو الكهرباء الأردنية، المرهونة بتأهيل شبكات النقل على طول المسار من الأردن فسوريا وصولًا إلى لبنان.
على أن الجرعات لم تحرّك سكون التقنين. فالفيول هو مفتاح الحل السريع، لكنه ليس الأكثر فعالية واستدامة. وبغياب الحلول المستدامة في ظل الانهيار الحاصل على مستوى البلاد وعلى مستوى إفلاس مؤسسة كهرباء لبنان وفداحة الأعطال واهتراء المعامل، كما على مستوى عجز وزارة الطاقة، لا تظهر بوادر استبدال العتمة بالنور.
بانتظار الفيول
تستند معامل إنتاج الكهرباء على الفيول، مع أنها مجهّزة بمعظمها للعمل على الغاز. ولأسباب ترتبط بضمان مصلحة تجّار المحروقات، تشرّع وزارة الطاقة استعمال الفيول وكأنه قَدَرٌ لا مفرَّ منه لإنتاج الكهرباء. ولأنها خبيرة بترتيب صفقات الفيول، سارعت الوزارة لعقد اتفاق مع العراق لاستيراد مليون طن من زيت الوقود، واستبداله بالفيول المناسب لمعامل الانتاج. وأولى الشحنات التي ستوصلها الشركة الإماراتية ستنقسم بين 30 ألف طن من الفيول المرمز له بـGrade B وبين 33 ألف طن من الغاز أويل. وهذه الكمية هي نتاج تبديل 84 ألف طن من زيت الوقود العراقي. علمًا أن موعد وصول الشحنتين هو الأسبوع المقبل والذي يليه.
وإلى حينه، تعيش المناطق اللبنانية عتمة لا تخرقها سوى ساعتين من التغذية، ومَن يسعفه الحظ، ينعم بساعة أو ساعتين إضافيّتين. وفي المقابل، لا تجد بعض المناطق سوى الحظ العاثر أمامها، بسبب الأعطال المتواترة، فتغرق في عتمة مستمرة، إلاّ في حال "تكرَّمَ" أصحاب المولّدات الخاصة بساعات تغذية متقطّعة، بذريعة عدم توفّر المازوت بكميات كافية.
لا تقدّم مؤسسة الكهرباء سوى بيانات تفيد عن حجم الأعطال المتزايدة أو اقتحام مجموعة من الشبان لمحطات التوزيع وقيامهم بتعديل مسارات التغذية. محذّرة من خطورة هذا الأمر. إذ يمكن أن يتسبب رفع مستوى التغذية بشكل عشوائي، بانفجار المحوّلات، كما حصل في محطة الحرج في بيروت. والمؤسسة لا تطرح حلولًا، بل تطالب بتأمين الفيول للمعامل. وهي أيضًا لا تدفع ثمنه بسبب عجزها المالي، فيتراكم العجز على خزينة الدولة، فتتأمّن الكهرباء بالقطّارة. وهذا الأسلوب لن يتغيّر مع بدء وصول الفيول العراقي، أي أن التقنين لن يتغيّر ولن تزداد ساعات التغذية لأن "الشحنات ستسد النقص الحاصل في حجم الفيول المؤمَّن لبنانيًا"، على حد تعبير مصادر في وزارة الطاقة، والتي تشير في حديث لـ"المدن"، إلى أن "العملية المتقطّعة ستؤدّي إلى تقطّع انتاج الكهرباء، فريثما تأتي الشحنة التالية، تكون الشحنة الأولى قد نفدت. وعليه، لن يكون هناك استدامة في إنتاج الكهرباء ولن يكون هناك كميات كافية لزيادة الإنتاج، فما يأتي يكفي لمدة تتراوح بين 15 إلى 20 يومًا تُحافظ خلالها المؤسسة على التقنين الحالي". وتلفت المصادر النظر إلى ضرورة "ترشيد استعمال الفيول الآتي عبر شركة إينوك، فضلًا عن استعماله لتشغيل المعامل الحديثة، لأن مولّداتها أحدث وذات كفاءة أعلى من مولّدات المعامل القديمة".
وكان وزير الطاقة ريمون غجر قد كشف منذ توقيع الاتفاق مع العراق، بأن ما سيأتي من فيول، لن يزيد ساعات التغذية، بل ستبقى مؤسسة كهرباء لبنان بحاجة إلى سلفات خزينة لشراء الفيول الإضافي. وبغياب السلفات، لا فيول ولا زيادة في التغذية.
إصلاحات وبدائل
قد يكون من الصعب إجراء تحوُّل جذري في مصادر إنتاج الكهرباء من الفيول إلى الطاقة النظيفة، التي تضمن الخروج من دوامة الفيول وصعوبة تأمين الاعتمادات الدولارية لاستيراده. لكن من غير المبرَّر عدم إجراء الإصلاحات الإدارية التي تفيد في تحسين طريقة توزيع الكهرباء وضمان إجراء الصيانة المطلوبة. علمًا أن مشاريع الطاقة البديلة لا بد من تنفيذها في أقرب وقت، خصوصاً وأن دولًا مانحة مستعدة لتمويل هذه المشاريع لما فيها من فائدة بيئية.
لكن وزارة الطاقة ومؤسسة الكهرباء لا يعيران المسألة أهمية، بل لا يريدان إجراء تحديث إداري والانتقال إلى الطاقة البديلة، ما لم تتأمَّن المنفعة الخاصة لبعض المستفيدين من سياسيين ورجال أعمال. ولذلك، يجري إهمال استكمال التعيينات الإدارية في مختلف الفئات الوظيفية في المؤسسة، من مدراء وموظفين فنيين وإداريين. إلى جانب إغفال التدقيق بالطريقة الفاشلة التي تُسَيَّر بها أعمال المؤسسة، والتي يتغاضى مجلس الإدارة عنها، ومنها فشل مقدّمي الخدمات وتمرير أعمال وفق منطق المحسوبيات والضغوط السياسية، كأن يجري تأمين الأعمدة وإجراء الإصلاحات الفورية في بعض المناطق على حساب الأخرى، تبعًا للنفوذ السياسي لهذا الحزب أو ذاك الزعيم، أو هذا الوزير او ذاك النائب.
كما تتجاهل الوزارة والمؤسسة أن مشروع الطاقة الشمسية لكل بيت، قادر وحده على "خفض فاتورة النفط التي تتكبّدها الدولة، بما لا يقل عن 40 بالمئة، خاصة في المناطق التي ترتفع عن سطح البحر بمسافة 300 متر وما فوق، وصولًا إلى نسبة 80 بالمئة". تقول المصادر، وتضيف أن "الهدر سيتراجع حينها لأن كل منزل سيلجأ لخفض نسبة استهلاكه وترشيدها لأنه هو مَن ينتج ويدير عملية الاستهلاك ويتحمّل مسؤولية الهدر".
التقنين روتين يومي. لا جديد حياله ولا أمل استثنائيًا بما يُحكى عن استجرار الغاز والكهرباء من مصر والأردن. فكلها سمك في البحر، إلى أن تُضاء الأنوار وتُجرى عملية التحديث الإداري والانتقال إلى مصادر طاقة بديلة عن الفيول.