المصدر: رويترز
الاثنين 20 كانون الثاني 2025 23:05:38
في أعماق الزنازين السورية المظلمة، اختفى الأثر، ثم عاد ليظهر فجأة. قصة الصحافي الأمريكي أوستن تايس، المختفي منذ أكثر من عقد، هي لغز محير يثير تساؤلات حول مصيره الحقيقي. فهل تمكن من الفرار من قبضة النظام، أم أنه لا يزال محتجزاً في مكان ما؟
ففي بداية عام 2013، وبملابس ممزقة، هرب الصحافي الأميركي أوستن تايس من زنزانته في أحد سجون دمشق بعد 5 أشهر من الأسر القاسية. تجول في شوارع حي المزة الفاخر، يبحث عن ملجأ آمن بين المدنيين.
وقال المسؤولون إن هروب تايس في عام 2013 كان أول مرة يُرى فيها الصحافي الأمبلاكي في العلن بعد اختفائه بعد أن ذهب إلى وريا في 2012.
وكشفت تقارير عن تفاصيل مثيرة حول محاولة هروب تايس من سجنه، وهي الحادثة التي أوردتها صحيفة نيويورك تايمز لأول مرة في عام 2021. وقد تمكنت رويترز من تأكيد هذه المعلومات، وحصلت على تفاصيل إضافية حول تحركات تايس بعد هروبه وكيف أثرت هذه المعلومات على المفاوضات الأمريكية مع النظام السوري.
وأصبح تايس الآن محور عملية بحث واسعة النطاق بعد الإطاحة بالرئيس السوري بشار الأسد الشهر الماضي بعد 13 عاما من الحرب الأهلية. وأطلقت قوات المعارضة السورية بقيادة جماعة هيئة تحرير الشام منذ ذلك الحين سراح الآلاف من الأشخاص من سجون في دمشق كان الأسد يحتجز فيها معارضين سياسيين ومدنيين وأجانب.
ولم يُعثر على أثر للمواطن الأميركي حتى الآن. وقال مسؤول أمريكي إنه لا توجد أي دلائل يعول عليها عن مكان وجوده، كما لا يوجد دليل دامغ أيضا على وفاته.
ويقول المسؤولون الأميركيون إن هروب تايس من السجن في عام 2013، حيث كان يعتقد أنه محتجز لدى جماعة مسلحة موالية للحكومة، هو الدليل الأقوى الذي تملكه الحكومة الأمريكية على أن قوات موالية للأسد كانت تحتجز تايس. وسمح هذا على امتداد سنوات للمسؤولين الأمريكيين بالضغط على حكومة الأسد مباشرة في هذه المسألة.
رفض البيت الأبيض، ووكالات الاستخبارات الأمريكية مثل السي آي إيه ومكتب التحقيقات الفدرالي، التعليق على هذه القضية الشائكة. وفي الوقت الذي أكدت فيه تقارير استخباراتية هروب تايس من السجن، إلا أن تفاصيل ما بعد الهروب لا تزال غامضة. وقال مسؤول أميركي حالي وآخر سابق إن تايس أعيد القبض عليه بعد هروبه بفترة وجيزة.
ويعتقد المسؤولون الأمريكيون أن قوات تابعة مباشرة للأسد على الأرجح أخذت تايس بعد هروبه. وقال أحد الأشخاص المطلعين على عملية الهروب إن تايس ربما جرى نقله جيئة وذهابا بين وكالات مخابرات حكومية مختلفة في السنوات التالية.
وقال مسؤول أميركي ومصدر مطلع إن إدارة الرئيس الأسبق باراك أوباما تلقت في عام 2016 معلومة أخرى تفيد بأن تايس نُقل إلى مستشفى في دمشق لتلقي العلاج من مرض ما، فيما قد يكون ثاني ظهور معروف لتايس. لكن المسؤولين الأمريكيين الحاليين ليسوا متأكدين من هذا التقرير بقدر تأكدهم من هروبه في عام 2013.
وعلى مدى السنوات الماضية، عبرت عائلة تايس التي قادت مساعي العثور عليه عن خيبة أملها في الإدارة الأميركية، قائلة إنها لم تضع إطلاق سراح تايس كأولوية. وتتجمع الأسرة في واشنطن على أمل أن تتمكن قريبا من الاحتفال بحريته.
ورفضت العائلة الرد على طلب التعليق.
وقال الرئيس الأميركي السابق جو بايدن الشهر الماضي "نعتقد أنه على قيد الحياة. نعتقد أننا نستطيع إعادته، لكن ليس لدينا دليل مباشر على ذلك حتى الآن". وأنعش التصريح التفاؤل بشأن مصير تايس.
وعلى مدى السنوات الاثنتي عشرة الماضية، جمعت الوكالات الأمريكية، ومنها مكتب التحقيقات الاتحادي ووزارة الخارجية ووكالة المخابرات المركزية، آلاف الأدلة عن تايس. لكن يكاد يكون من المستحيل التحقق من أغلبها.
ان أوستن تايس من أوائل الصحفيين الغربيين الذين وثقوا الحرب السورية عن قرب. أثناء تغطيته للأحداث في داريا عام 2012، وقع في الأسر على يد إسلاميين. سرعان ما انتشر شريط فيديو يظهر فيه معصوب العينين، وهو ما أثار قلقاً عالمياً حول مصيره.
وأمكن سماع تايس وهو يدعو باللغة العربية قبل أن يردد "يا يسوع، يا يسوع" بالإنجليزية.
وتباينت روايات ما حدث لتايس في عام 2012، منها ما يتعلق بمن اعتقله في البداية وإلى أين تم نقله. كما وقع صحفيون آخرون في الأسر خلال الوقت نفسه تقريبا.
لكن مع مرور الوقت وإطلاق سراح الصحفيين الآخرين، ظلت التفاصيل المتعلقة بتايس شحيحة. وقال اثنان من المسؤولين السابقين إن إدارة أوباما حصلت على معلومات مخابرات تفيد بأنه وقع إما في أيدي فصيل متطرف من المعارضة أو في قبضة الحكومة السورية. لكن لم يتوافر لديها وسائل للتحقق من هذه المعلومات.
وعلى امتداد العقد الماضي، فقد بعض المسؤولين الأميركيين والمدافعين عن الصحافة الثقة في التقييم الذي يفيد بأن تايس على قيد الحياة، ويرجع ذلك جزئيا إلى عدم وجود أدلة جديدة موثوق بها تؤكد وضعه. ويتشبث آخرون بالتفاؤل، بعضهم في إدارة الرئيس الحالي دونالد ترامب.
في عام 2019، سافر مسؤولون من إدارة ترامب الأولى، من بينهم كاش باتيل، مساعد الرئيس الأمريكي ومستشار مكافحة الإرهاب آنذاك، وروجر كارستنز، المبعوث الخاص لشؤون الرهائن، إلى دمشق للقاء مسؤولين سوريين بشأن تايس.
وقال مسؤولون أميركيون ومسؤولون سابقون إن الحكومة السورية رفضت تقديم أدلة على حياة تايس وطالبت الولايات المتحدة بالتراجع عن سياستها تجاه سوريا وسحب القوات الأميركية من البلاد مقابل تدشين مفاوضات بشأن تايس. وأبقت إدارة بايدن على الاتصال بالحكومة السورية منذ ذلك الحين، لكن مسؤولي الأسد لم يكونوا على استعداد للتفاوض حتى توافق الولايات المتحدة على مطالبهم.
وفي السادس من كانون الأول، قالت ديبورا والدة أوستن تايس وعائلتها في مؤتمر صحفي إن مصدرا قويا في الحكومة الأمريكية أكد في الآونة الأخيرة أن تايس على قيد الحياة ويتلقى معاملة طيبة.
وقالت الأم ديبورا تايس إن ابنها "يتلقى الرعاية وهو بخير".
لكن في الساعات التي أعقبت المؤتمر، قال مسؤولون أمريكيون ضالعون في قضية تايس إنهم لم يحصلوا على أي معلومات جديدة وإنهم فوجئوا بتصريحات والدته.
وسافر كارستنز الشهر الماضي إلى بيروت لتنسيق البحث عن تايس. وكان هناك مسؤولون آخرون في المنطقة، من بينهم وزير الخارجية السابق أنتوني بلينكن ومساعدته لشؤون الشرق الأدنى باربرا ليف.
وقال بلينكن للصحافيين الشهر الماضي "نحن مصممون على العثور عليه وإعادته إلى منزله وعائلته وأحبائه".
وبعد مرور نحو أسبوع على الإطاحة بالأسد، كان بعض المسؤولين الأمريكيين يخشون أن يكون تايس قد قُتل في جولة ضربات جوية إسرائيلية في الآونة لأخيرة. ويخشى مسؤولون أيضا أن تايس، إذا كان محتجزا تحت الأرض في زنزانة، لربما افتقر إلى الهواء الصالح للتنفس، لأن قوات الأسد قطعت الكهرباء عن سجون كثيرة في دمشق قبل فرار الرئيس.
وظهرت الشهر الماضي تقارير عن رجل أميركي شوهد في دمشق، مما أحيا آمال أن تايس أصبح مطلق السراح.
لكنه لم يكن تايس.
وانتشرت أنباء الشهر الماضي تفيد بالعثور على ترافيس تيمرمان من ولاية ميزوري، بعد أن أطلقت قوات المعارضة سراحه من السجن. وقال تيمرمان إنه سافر إلى سوريا في رحلة روحية العام الماضي، وألقي القبض عليه لدخوله البلاد بشكل غير قانوني."