الأمن اللبناني دقَّ ناقوس الخطر: هواجس "خرقٍ إسرائيلي بارد"

دقّ إعلان "الامن العام" عن تفكيك شبكة إسرائيلية في لبنان، ناقوس الخطر من الانكشاف الأمني الذي تعاني منه البلاد على مختلف المعابر الجوية والبحرية، فضلاً عن الاستفادة من الثغرات القانونية، مما دفع مصدر أمني بارز للتنبيه من "الخرق الاسرائيلي البارد". 

وتحوّل لبنان إلى أرضٍ خصبة للتجسس لصالح إسرائيل، أثبتته الأرقام في لبنان، إذ أوقفت الأجهزة الأمنية 32 شخصاً منذ دخول اتفاق وقف إطلاق النار حيز التنفيذ في تشرين الثاني الماضي، فيما أعلنت المديرية العامة للأمن العام اللبنانية عن توقيف أربعة اشخاص في الاسبوع الماضي. 

وقال مصدر أمني لبناني لـ"المدن" إن الأجهزة تبذل أقصى الجهود وتبقى في حالة استنفار دائم للتحقق وملاحقة المشتبه بهم، إلا أن "الثغرات لا تزال قائمة"، موضحاً أن "التحقيقات اليومية مع مشتبهين جدد تكشف حجم الخرق الحاصل". 

وتتنوع الثغرات بين خروقات بشرية، وقدرة وصول لوجستية وتقنية، فضلاً عن ثغرات قانونية يستفيد منها العدو لادخال عملائه الى لبنان، ما يجعل مهام منع نشاط التجسس الاسرائيلي أكثر تعقيداً، ويثبت أن الساحة اللبنانية لا تزال هشّة. 
ويحذّر المصدر الأمني من أن "غياب القدرة على ضبط حركة الأفراد الأجانب القادمين الى لبنان ومن الجنسيات المقيمة، يترك البلد عرضة لتوترات أمنية في أي لحظة". 

 

فشل أمني أم دليل على خرق استخباراتي؟

لم يعد الحديث عن "الاختراق الإسرائيلي" في لبنان مجرّد فرضية أمنية أو هاجس شعبي. فالمشهد بات زاخراً بالوقائع: اغتيالات غامضة، دخول أشخاص يحملون هويات إسرائيلية بجوازات أجنبية، وتحركات مريبة تُعيد طرح أسئلة عن هشاشة النظامين الإداري والأمني في الدولة.

خلال عشر سنوات، وقعت سلسلة عمليات إسرائيلية داخل لبنان، يُعاد التذكير بها اليوم كمؤشراتٍ على حجم الانكشاف. أبرز تلك العمليات، اغتيال القائد العسكري في "حزب الله حسان اللقيس، في العام 2013، حين تحدّثت روايات عن مجموعة دخلت بحرًا إلى منطقة السانت تيريز في الضاحية الجنوبية، نفّذت العملية، ثم انسحبت بالطريقة نفسها. هذه الحادثة عمّقت القناعة بأن السواحل اللبنانية قد تكون منفذًا قابلًا للاختراق، وأن قدرة أجهزة الاستخبارات على التحرك في محيط العاصمة إنطلاقاً من البحر، لم تعد احتمالًا نظريًا. وتعزز هذا الاعتقاد في الحرب الأخيرة، إذ ظهرت مؤشرات مشابهة: عملية إنزال بحرية في البترون واختطاف المواطن عماد أمهز. 

في المقابل، كشفت حوادث الدخول عبر المطار عن ثغراتٍ إضافية لا تقل خطورة، وكان أحدثها ما كشفته وسائل إعلام اسرائيلية عن دخول الإسرائيلي بيني وِكسلِر، صاحب وكالة سفر في القدس، الى بيروت عبر مطار رفيق الحريري الدولي مستخدمًا جوازًا أوروبيًا، وتوجّه إلى الضاحية الجنوبية حيث زار موقع استشهاد الأمين العام لـ"حزب الله". وقبله أوقف الأمن العام الصحافي يشوع تارتاكوفسكي بعد أسبوعين من إقامته في لبنان، إثر اكتشاف هويته الإسرائيلية داخل حقيبته.

وفي ذروة المشهد، جاءت تقارير إعلامية إسرائيلية لتؤكد أن "الموساد" كان حاضرًا في قلب الضاحية عند اغتيال السيد نصرالله.

 

معابر القانون المزدوجة

تُظهر التجارب أنّ كثيرين من الذين زاروا إسرائيل سابقًا بجوازاتهم الأجنبية يتمكّنون من دخول لبنان بجواز سفر آخر دون أن تُكتشف سجلاتهم بسبب ثغرات في أمن المطار وعدم التشدد. لكن خبراء في التكنولوجيا يؤكدون إن القدرة التقنية على كشف أصحاب الجنسيات المزدوجة، أو المشغلين من قبل إسرائيل، صعبة، بالنظر الى أن لبنان لا يمتلك داتا للإسرائيليين.

غير أن هذه الوقائع، تنذر بخطورة ما يسمى بـ"الخرق البارد"، أي الاختراق غير القتالي، الذي يتمّ بلا أجهزة تنصّت، بل عبر استغلال الفجوات القانونية والادارية.

من هذا المنظور، تتبلور خلاصة عملية: ثمّة أساليب متعددة لدخول لبنان، بحرياً عبر الإنزال، وجوّياً عبر مطارات تعتمد على جوازات أجنبية أو مزدوجة الجنسية، كما توجد ثغرات إجرائية يُمكن استغلالها. 

 

رمزية الدخول
ويعيد دخول الإسرائيليين إلى الأراضي اللبنانية النقاش إلى مستوى آخر، يتمثل بالرمزية السياسية. فنجاح أي إسرائيلي في الوصول إلى قلب بيروت أو إلى الضاحية الجنوبية لا يُقاس بحدوده الميدانية فقط، بل بما يحمله من بُعد نفسي ومعنوي يوحي بأنّ الحدود لم تعد منيعة كما يروّج لها الخطاب الرسمي، وأنّ الخطوط الحمراء التي طالما صُوّرت كحصون مغلقة يمكن تجاوزها بخدعة جواز سفر أو ثغرة إجرائية. هذه الوقائع لا تبقى محصورة في بعدها الأمني، بل تتحوّل بسرعة إلى أداة في الحرب الإعلامية والسياسية، ويستغلها العدو لرفع معنويات جمهوره وإظهار تفوّق أجهزته الاستخبارية.