المصدر: النهار
الكاتب: سمير قسطنطين
الجمعة 12 كانون الاول 2025 09:03:51
عودة لبنان إلى دولته وعودة الدولة إلى لبنان تسيران، إنّما ببطء، نحو الأفضل. خطوة خطوة إلى الأمام، إلى الدولة. مشكلة الحكومة الآن تكمن في إدارة مرافق الدولة أكثر ممّا هي في البُعد السياسي.
سياسيّاً، الخطوات تتوالى. إنتُخب العماد جوزف عون رئيساً للجمهوريّة. شكّل الدكتور نواف سلام حكومة لا تشبه حكومات العقود الثلاثة الماضية. في كلّ قرارات الحكومة الحسّاسة، لم يستقِل أيّ وزير. في بعض المرّات خرج وزراء الثنائي من جلسة مجلس الوزراء. هذا للجمهور، لكن في الواقع، الحكومة متضامنة. في البيان الوزاري موضوع حصر السلاح بيد الدولة واضحٌ. الجيش صادر أسلحة وعالج أنفاقاً جنوب الليطاني. لا اعتراض. نيّة الحكومة حصر السلاح بيدها في كلّ لبنان واضحة. لا اعتراضاً حقيقيّاً سُجِّل. تجوب الشوارع تظاهرات موتوسيكلات بين الحين والآخر اعتراضاً على قرارات الحكومة. وماذا نتوقّع؟ هذه التحرّكات المحدودة العدد والفاعليّة ضروريّة في بعض المرّات من أجل إثبات الوجود. القبول الضمني بتعيين السفير سيمون كرم على رأس الفريق اللبناني المفاوض مرّ بسلاسة. كلمة من هنا، صمتٌ من هناك، لا يغيّران في الواقع شيئاً. عدم الردّ على الخروقات الإسرائيليّة الوقحة عنوان آخر من عناوين المرحلة الداعية إلى تهدئة الوضع والقبول به. هل تعلم أنّ الاتّفاق يعطي لبنان حق الرد؟ لم يحدّد الاتّفاق من في لبنان له حقّ الرد لكن القتال كان بين الحزب وإسرائيل وليس بين الدولة اللبنانيّة وإسرائيل. خُذ مثلاً هذه العبارة المطّاطيّة التي وردت في الاتّفاق: "ولا تمنع هذه الالتزامات إسرائيل أو لبنان من ممارسة حقهما الأصيل في الدفاع عن النفس، بما يتفق مع القانون الدولي". عبارة "مغّيطة". مع ذلك لم يرد الحزب. عندما انطلقت صواريخ من لبنان نحو إسرائيل في آذار الماضي، سارع الحزب إلى نفي تورّطه. حزب الله وافق على الخروج الكلّي من جنوب الليطاني. من يعرف أهمّية جنوب الليطاني للحزب، يُدرك أنّ هذا القرار أفقد الحزب خطوط تماسه المباشرة مع إسرائيل. حتّى التهديد بالرد على الخروقات غير حاضر في أدبيّات الحزب. عليك أن تجتهد لكي تقرأ تهديداً. أقصى ما يقوله الحزب إنّ إسرائيل لا تلتزم بالإتّفاق. هذا شعور جميع اللبنانيّين.
عمليّاً الأمور في السياسة "ماشية"، ربّما بخطوات حذرة أو بطيئة، لكنّها "ماشية". طبعاً عامل الوقت أساسي لحزب احترف ما أسماه "الصبر الاستراتيجي".
لنرجع سنة واحدة فقط إلى الوراء. كلّ هذه الأمور لم تكن واردة حتّى على مستوى الفكرة. الناس بحاجة إلى وقت لكي تهضم الأفكار الجديدة والواقع الجديد. في البداية النكران هو سيّد الموقف لكن، عمليّاً على الأرض، فالأمور تجري بشكل مقبول إلى حدٍّ كبير وبطيء أيضاً.
هذا الحذر يخفّف من سرعة وتيرة عودة الدولة إلى حماية سيادتها منفردةً. لكن في الوقت نفسه، يجب ألا ننسى أنّ إيران تحاول أيضاً شراء الوقت لعلّها تصل إلى اتّفاق مع الولايات المتّحدة. هذا الطموح الإيراني يظهر في الداخل على شكل عرقلة، لكن في رأيي فإنّ قدرة الأطراف على العرقلة محدودة.
الأمور "ماشية". إنضمام الجميع إلى المسيرة بشكل كامل ومعلن أمرٌ أفضل للجميع. هذا يفعّل صراخ الدولة من أجل تطبيق كامل وناجز للإتّفاق، ويعزّز منعة لبنان وسيادته.