المصدر: النهار
الكاتب: سلوى بعلبكي
الاثنين 8 كانون الاول 2025 07:26:37
منذ ستينيات القرن الماضي، شكلت مشاريع ربط الساحل اللبناني بالبقاع هاجسا تنمويا لم تبدأ فصوله مع الأوتوستراد العربي فحسب، بل امتدت أيضا إلى حلم قديم اسمه نفق ضهر البيدر. وبين المشروعين تتكرر النغمة عينها: خطط تطرح بحماسة، دراسات تتكدس في الأدراج، قوانين تصدر، وورش تنطلق ثم ينتهي كل شيء عند أول منعطف مالي أو سياسي.
الاجتماع الأخير الذي ترأسه رئيس الحكومة نواف سلام في حضور وزير الأشغال العامة فايز رسامني ونواب البقاع ورؤساء البلديات، أعاد فتح هذه الملفات الثقيلة. فقد أكد رسامني أن مشروع الأوتوستراد العربي "متشعب ويحتاج إلى تمويل كبير، وهناك مشكلة في الاستملاكات، والدولة لا إمكانات لديها لذلك"، ليخلص إلى أن الأولوية الحالية هي لـ"معالجة ما يتعلق بالسلامة".
ويبدو أن قرار "إعدام" مشروع الأوتوستراد العربي ليس جديدا، فقد نقل عن أحد نواب البقاع أنه لن يبصر النور، وأن نفق ضهر البيدر سيكون البديل.
تعود جذور مشروع الأوتوستراد العربي إلى توصية صدرت عام 1967 عن "اللجنة الدائمة للمواصلات" في جامعة الدول العربية، دعت إلى ربط الساحل الشرقي للمتوسط بالدول العربية. عام 1969 وضعت الدراسات الأولية، أما عام 1994 فأجاز مجلس الوزراء لمجلس تنفيذ المشاريع الإنشائية البدء بالتنفيذ، قبل أن تنتقل مهمة الإشراف إلى مجلس الإنماء والإعمار.
ورغم المسار القانوني الواضح، بقي المشروع يترجّح بين الحكومات والمجالس وقرارات مالية غير مكتملة.
الوزير رسامني كان واضحا في مؤتمره الصحافي حين لمّح إلى أن لا أموال لاستكمال الأوتوستراد العربي. فالـ122 مليون دولار التي صرفت قبل الأزمة لم تعد تكفي، إذ يحتاج المشروع اليوم إلى ما يفوق هذا الرقم بمرتين تقريبا، بعد ظهور أخطاء تقنية في الأجزاء المنجزة بسبب الاستملاكات غير المكتملة، ما يعني أن مصير الأوتوستراد مؤجل حكما إلى الحكومة المقبلة، وربما التي تليها.
لكن النائب جورج عقيص الذي حضر الاجتماع، اختار إعادة النقاش إلى جذور المشكلة، ليس في الخرائط، بل في السياسة، وليس في الدراسات، بل في غياب المناخ القادر على جذب أي استثمار.
وسط هذا الإحباط، طرح عقيص مقاربة مختلفة. فبدل الغرق في تفاصيل التوسعة والترقيع، عاد ليذكر بأن نفق ضهر البيدر ليس مجرد فكرة، بل هو قانون قائم. فمنذ ستينيات القرن الماضي، تعاقبت الدراسات عن النفق، من يابانية عام 1963، إلى إيطالية في العقد الماضي، وصولا إلى قانون 2020 وقرار الحكومة عام 2024 تكليف مجلس الإنماء والإعمار إعداد دراسة الجدوى.
يوضح أن "مشروع النفق صدر بقانون عام 2020، وأعيد تفعيله عام 2024، ويمكن تلزيمه فورا وفق نظام الـBOT من دون أي عبء مالي على الدولة". لكن الشرط الأساسي في رأيه، هو "الاستقرار السياسي القادر على جذب الشركات الأجنبية". فالدراسات موجودة ومتراكمة منذ ستينيات القرن الماضي، وقد أعدت شركة أجنبية دراسة حديثة أيضا. كل ذلك يثبت أن النفق قابل للتنفيذ وسريع الجدوى، ويمكن أن يربط البقاع ببيروت في دقائق قليلة.
ويقول عقيص إن وجود الطريق الحالي المجاني يلغي أي تخوف من تحميل المواطنين أعباء مالية، إذ سيكون النفق خيارا إضافيا مدفوعا كبقية الطرق السريعة في العالم.
ويشرح أن القانون الذي صدر في المجلس يحمل رمزية سياسية تضغط على الحكومة للسير بخيار التلزيم بالشراكة بين القطاعين العام والخاص. إلا أن غياب القرار التنفيذي يجعل النفق حبيس الأدراج، رغم كونه مشروعا مربحا للمستثمرين ومتقدما في ملفاته.
تمويل سعودي معلق
في المقابل، تبرز تعقيدات الأوتوستراد العربي واضحة. فمنذ عام 2009 انطلق العمل بتمويل من الصندوق السعودي للتنمية، لكن ما صُرف لم يكن كافيا، فاقتصر التنفيذ على مقطع تعنايل - جسر النملية، فيما بقي الجزء الواصل إلى المديرج معلقا في انتظار تمويل إضافي.
وبمرور السنوات دخل المشروع في دوامة اعتراضات على الاستملاكات في جديتا وجلالا، وتأخير الدولة اللبنانية دفع مستحقاتها (أكثر من 20 مليون دولار)، ما أدى إلى تراجع الثقة العربية بلبنان كمستفيد من التمويل.
ثم جاءت الضربة الكبرى عامي 2019 – 2020 حين ظهرت انزلاقات تربة خطِرة في المنطقة الجبلية بين جديتا وجسر النملية. أعدت دراسة هندسية الحلول، لكن كلفتها وحدها تجاوزت 100 مليون دولار. ومع الأزمة المالية، أصبح استكمال الأوتوستراد يتطلب معجزة مالية أو قرارا سياسيا كبيرا. ولعل الأهم أن "التمويل السعودي توقف لأسباب سياسية لا تقنية، إذ تربط السعودية تقديم أي دعم جديد بتنفيذ قرار حصر السلاح بيد الدولة"، وفق عقيص الذي يطرح علامات استفهام حول الدراسات التي أنجزت، وكيف أعدت؟ وهل شملت دراسة دقيقة لنوعية التربة؟
ومع ذلك، من الطبيعي في كثير من المشاريع أن تظهر معوقات غير متوقعة عند التنفيذ، بما يستدعي تعديلا وتمويلا إضافيا.