المصدر: النهار
الكاتب: ابراهيم حيدر
الخميس 24 تشرين الأول 2024 07:58:27
ليس تفصيلاً أن نشهد نزوح نحو مليون و500 ألف لبناني من الضاحية الجنوبية لبيروت والجنوب باستثناء مدينة صيدا وقرى في البقاع موزعة بين الغرب والشمال. غالبية النازحين هم من بيئة واحدة تشتتت في مناطق لبنانية عدة، في الوقت الذي يستمر فيه "حزب الله" في القتال على تخوم الحدود في مواجهة حرب مفتوحة تشنها إسرائيل وتستنزف لبنان الذي صار مستباحاً بالنار الإسرائيلية وتعميمها الفوضى عبر استحضار أزماته الأهلية والطائفية وإيقاظ الانقسام اللبناني الذي يطرح أسئلة في ظل الحرب حول مصير البلد.
دخل لبنان في دائرة الخطر مع الحرب الإسرائيلية على وجوده، وهي كانت في الأساس داهمة منذ أن بدأت معركة المساندة لغزة بقرار من "حزب الله" الذي بنى رهاناته على ما يسمّى "توازن الردع" وعدم تجرؤ إسرائيل على كسره، لنجد أنفسنا اليوم نعيش على وقع حرب لم يشهدها لبنان في تاريخه من جراء التدمير الممنهج والنزوح الكبير والاستهدافات والاغتيالات، وهي مفتوحة على دوي انفجارات محتملة عدة في النسيج اللبناني.
الجردة الأولية لنتائج الحرب المستمرة منذ أن بدأت حرب الإسناد قبل أكثر من سنة والتي تعلن فيها إسرائيل أنها تريد على القضاء على "حزب الله" وتخطت ما كان مرسوماً لتحمّل لبنان أكثر من طاقته، تشير إلى خسائر فادحة، ليس أولها النزوح الكبير للناس الذين اقتُلعوا من بيئتهم وانتمائهم وتوقف التعليم لأكثر من نصف طلاب وتلامذة لبنان وتدمير قرى بأكملها وآلاف الشهداء وخسائر للاقتصاد بمليارات الدولارات، وما هو مفتوح من تقديرات للخسائر المحتملة لاحقاً، فنواصل حالة الإنكار من دون أن نجد من يخرج من المعنيين بالحرب ليقول الكلام الفصل حول الحسابات والجدوى والخسائر والأرباح وما إن كانت التقديرات صحيحة في المعركة وفي إدراك خطة إسرائيل وطريقة إدارة المواجهة معه عبر الأخذ في الاعتبار إمكانيات البلد وأولوية حمايته وإنقاذه.
في الأساس، ما كان يجب الاستسهال في التقدير حول تجرؤ إسرائيل على كسر توازن الردع، وتجاوز الخطوط الحمراء، خصوصاً بعد ما فعلته في غزة من إبادة، أو الاستخفاف بتفوق الاحتلال وقدراته، ثم بتضخيم القدرات. وهذا ينسحب على الواقع السياسي الداخلي وكيفية تعامل الجميع مع الحرب الدائرة ونتائجها الكارثية على لبنان لا على طائفة بعينها.
في اللحظة المفصلية الراهنة، وفي ظل الحرب، لا بد من اشتقاق لغة سياسية داخلية تقوم على التوافق والتصالح، في ما يتجاوز الخصوصيات الأهلية والطائفية، انطلاقاً من معادلة تقوم على أولوية إنقاذ لبنان، وعدم استثارة الصراع خصوصاً أن المعركة على أشدّها في الجنوب، ولمنع احتلال جديد يزيد من عمق الأزمة المستفحلة في البلاد. ولنتنبه في ظل الانقسام أن البيئة الشيعية اليوم تعتبر أن معركتها وجودية، فمصير لبنان اليوم على المحك، واستشعار الخطر يستدعي البحث عن قواسم مشتركة وتوافق لحماية البلد من الضياع.