الإجراءات الميدانيّة بدأت: اختبارٌ جديد لدور الدولة

استحدث الجيش اللبناني موقعاً عسكرياً شرقي بلدة بليدا التي توغلت إليها قوات إسرائيلية فجر الخميس وقتلت موظفاً مدنياً في أثناء مبيته في مركز البلدية، وذلك في إجراء عسكري أعقب تفويض رئاسة الجمهورية للجيش اللبناني بالتصدي للتوغلات الإسرائيلية.

وبدأ الجيش اللبناني باتخاذ خطوات ميدانية، بعد تفويضه بالتصدي للتوغلات العسكرية، حيث اندفعت جرافات عسكرية إلى تلة غاصونة شرق بلدة بليدا الحدودية بجنوب لبنان، وبدأت باستحداث موقع متقدّم، في خطوةٍ تُعزّز حضور الدولة على خط التماس. وبالتوازي، أفادت تقارير محلية عن إدخال تعزيزات إضافية إلى أطراف عيترون والخيام، في مشهد يعكس استنفاراً أوسع في محيط نقاط التوتر.

في هذا الإطار، قال مصدر أمني لبناني لـ«الشرق الأوسط» إن إجراءات الجيش في معظم القرى الجنوبية خلال الساعات الماضية «تندرج في إطار العمل الاعتيادي وضبط الوضع الميداني»، لكن المستجد كان استحداث موقع في بليدا، حيث جرى الدفع بآليات هندسية واستحداث موقع متقدّم أقرب من السابق إلى تخوم البلدة، في خطوة وُضعت ضمن إطار تعزيز الجهوزية بعد التوغل الإسرائيلي الأخير».

منذ عام 2006، استند الجنوب إلى معادلة دقيقة، مرتكزة على فكرة أن الجيش ينتشر، و«حزب الله» يحتفظ بقرار العمل الميداني منفرداً. إلا أن التطورات العسكرية، التي ما زالت تتفاقم منذ وقف الأعمال العدائية في تشرين الثاني حتى اليوم، والتي كان أكثرها تصعيداً قتل موظف حكومي في بلدة بليدا على يد الجيش الإسرائيلي، دفعت الدولة إلى إعادة النظر في حضورها العسكري والسياسي.

ويقول النائب السابق فارس سعيد، لـ«الشرق الأوسط»، تعليقاً على قرار رئيس الجمهورية تكليف الجيش بالتصدّي لأي خرق إسرائيلي، إن «هذا القرار يكتسب دلالة سياسية مهمّة لأنه يضع الدولة في موقع من يقول إنه مسؤول عن حماية السيادة»، مضيفاً أنه «ما دام ادّعى حزب الله امتلاك حق الدفاع عن لبنان بحجة أن الدولة تخلّت عن سيادتها، وبالتالي فإن رئيس الجمهورية، من خلال تكليفه الجيش يسجّل موقفاً مبدئياً ضد هذه المزايدة».

وأوضح سعيد أن «هذا الإعلان، رغم أهميته، ما زال في إطار سياسي ولم يتحوّل بعد إلى مسار عملي»، مشيراً إلى أنّه «حتى اللحظة، لا نرى ترجمة ميدانية كاملة، رغم تعزيز الجيش بعض المواقع في الجنوب».

ورأى سعيد أن «جوهر المشكلة لا يكمن فقط في الردّ على الخروقات، بل في غياب القرار السياسي بالتفاوض»، قائلاً: «إذا لم تتولَّ الدولة اللبنانية بنفسها التفاوض مع إسرائيل حول الملفات العالقة، فإن حزب الله سيملأ هذا الفراغ ويحاول تسجيل مكاسب سياسية في وقت لم يعد فيه قادراً على تحقيق انتصارات عسكرية».

وأضاف أن «المطلوب أن يمسك رئيس الجمهورية وحكومة لبنان زمام المبادرة ويتولّيا عملية التفاوض عبر الآليات الدولية القائمة، ومنها لجنة الميكانيزم، منعاً لترك هذا الملف بيد حزب الله الذي قد يستغلّه للمزايدة على الدولة».

وعن احتمال حصول مواجهة مباشرة بين الجيش وإسرائيل، قال سعيد: «لا أرى مؤشراً إلى مواجهة دراماتيكية بين الطرفين. من حق الجيش أن يدافع عن أرض لبنان، ومن حق الدولة التفاوض باسمه، لكن ما جرى هو إعلان مبدئي أكثر منه تحوّلاً في قواعد الاشتباك».

وشدّد سعيد على أن «الدولة اللبنانية هي صاحبة القرار الحصري في السلم والحرب، ويجب استكمال خطوة رئيس الجمهورية بإطلاق مسار تفاوضي واضح، يمنع أي طرف من الحلول مكان الدولة».