المصدر: الديار
الكاتب: أمل سيف الدين
الخميس 13 حزيران 2024 07:52:26
في لبنان، تتجلى تحديات التعليم بوضوح، في ظل الظروف الاقتصادية والسياسية الصعبة التي يمر بها البلد. وفي هذا السياق، تثير التطورات الحديثة في تنظيم الامتحانات في وزارة التربية العديد من التساؤلات حول مستقبل التعليم في البلاد. وقد أكدت مصادر خاصة لجريدة "الديار" على تحديات مالية وتنظيمية تواجه الوزارة، في ظل محاولاتها لتأمين سير العملية التعليمية بكفاءة وشفافية.
وعلمت "الديار" أن وزير التربية طلب من مجلس الوزراء إعفاء الوزارة من إجراء الامتحان الموحد لصف "البريفيه" لأسباب لوجستية. وبناءً على ذلك، لن تُعقد امتحانات موحدة لتلاميذ الصف التاسع الأساسي لعام 2024، بعد صدور مرسوم يعفي وزارة التربية من هذا الإجراء، كما حدث في العام الماضي.
أما بالنسبة لامتحانات الشهادة الثانوية، فقد أكد المدير العام للتربية بالإنابة ورئيس اللجان الفاحصة عماد الأشقر لـ"الديار" أن "الامتحانات ستجرى بشكل طبيعي وفي المواعيد المحددة". وذكر أن "مذكرة صادرة بموافقة وزير التربية والتعليم العالي في حكومة تصريف الأعمال عباس الحلبي، حددت مواعيد الامتحانات الخطية للشهادة المتوسطة (الطلبات الحرة) ولشهادة الثانوية العامة بفروعها الأربعة لدورة العام 2024 العادية". وأوضح "أن الامتحانات لن تُلغى إلا إذا تدهور الوضع الأمني في لبنان، خاصة مع تصاعد التوتر على الجبهة الجنوبية بين حزب الله و"إسرائيل".
كما أكد "أن توصيف الامتحانات والمواد للشهادة الثانوية قد أصدره المركز التربوي واعتمده وزير التربية، وتم نشره على موقع وزارة التربية وموقع مركز البحوث والإنماء، بالإضافة إلى إبلاغ كافة المدارس الثانوية والرسمية بمضمونه". ولفت الى "أن المركز التربوي للبحوث، بناءً على تكليف الوزير، يعد تقارير أسبوعية تقريباً لمتابعة المدارس التي تدرس برامجها، ومن خلالها يتم الاطلاع على مسار التعليم والتحضير للامتحانات".
وقال "تواجه وزارة التربية تحديات مالية كبيرة في تأمين حوافز بالدولار للمراقبين والمصححين والعاملين في الامتحانات". وأوضح " أن وزير التربية يحاول رفع ميزانية الامتحانات بالليرة اللبنانية لتصل إلى أكثر من 100 مليار ليرة، بهدف زيادة أتعاب العاملين نحو خمس مرات". وأشار إلى "أن منظمة "اليونيسف"، التي وعدت سابقاً بمبلغ مليون دولار للامتحانات، خفضت المبلغ المخصص بذريعة وجود ساعات عمل مضخمة، وقررت عدم تمويل الامتحانات المقبلة. هذا القرار زاد الضغط المالي على الوزارة، خاصة أن المدارس الرسمية لم تتلق الأموال المستحقة منذ أشهر، مما عرّضها لصعوبات في دفع أتعاب الأساتذة المتعاقدين".
في هذا السياق، تركز الوزارة حالياً على خفض كلفة الامتحانات من خلال تقليل بدلات الأتعاب. ومع ذلك، أثار هذا التوجه ترددا كبيرا بين الأساتذة في المشاركة في الامتحانات، خاصة بعد انكشاف عدم دفع مستحقات الأعمال الإدارية السابقة. وأضاف الاشقر "أن روابط المعلمين أبدت امتعاضها من عدم توفير الحوافز بالدولار، محذرة من أن هذا الوضع قد يؤدي إلى إلغاء الامتحانات".
وأشار إلى "أن كل الشائعات التي تتحدث عن امتحانات أو أسئلة خاصة لطلاب المناطق الجنوبية لا تمت للحقيقة بصلة"، مؤكداً أن "الامتحان سيكون موحداً لكل لبنان". وأوضح أن "أسئلة الامتحانات سيتم وضعها من قبل لجان الأسئلة قبل يوم من موعد الامتحان، وتسليمها في اليوم التالي إلى مراكز الامتحانات"، مشيراً إلى "أنه تم تعيين مراكز للامتحانات في جنوب لبنان بما في ذلك النبطية وصور وتبنين".
ودعا الأشقر "طلاب الثانوية العامة إلى عدم الالتفات للشائعات والاعتماد فقط على ما يصدر عن وزير التربية"، كما شكر المعلمين في كافة الأراضي اللبنانية على جهودهم الجبارة خاصةً في ظل الوضع الأمني الصعب.
وبالنسبة لغلاء الأقساط المدرسية في المدارس الخاصة، أوضح الأشقر "أن النص المعمول به (القانون 515) المعني بكيفية تحديد الأقساط المدرسية، بحاجة إلى تعديل أو تطبيق نص جديد بدلاً منه، مشيراً إلى أن هذا الأمر هو من اختصاص السلطة التشريعية". وأضاف "أن القانون 515 كان يهدف إلى الحفاظ على استقرار الأقساط المدرسية، ولكنه لم يُحترم بالشكل المطلوب".
علماً أن القانون 515 هو قانون لبناني صادر في عام 1996 ينظم تحديد الأقساط المدرسية في المدارس الخاصة اللبنانية، بهدف تحقيق توازن بين تغطية تكاليف المدارس وقدرة أولياء الأمور على الدفع. يلزم القانون المدارس بتقديم موازنة سنوية تفصيلية تشمل الإيرادات والنفقات، ومراجعتها من قبل لجنة من أولياء الأمور، التي يجب أن توافق عليها قبل تحديد الأقساط. كما يضع ضوابط على نسبة زيادة الأقساط لمنع الزيادات غير المبررة، ويشدد على الشفافية في تحديد الأقساط وتوفير المعلومات اللازمة لأولياء الأمور. ويهدف القانون إلى حماية حقوق أولياء الأمور من الزيادات العشوائية، وضمان جودة التعليم بتغطية تكاليف التشغيل، وتعزيز الشفافية والمساءلة المالية للمدارس الخاصة.
وأشار الأشقر إلى "أن دور الوزارة يقتصر على إرسال إنذارات إلى المدارس التي رفعت أقساطها بشكل غير معقول، وأن وزير التربية أصدر كتاباً منذ يومين يتعلق بغلاء الأقساط المدرسية، ولكن عمل الوزارة محدود". وأوضح "أن القسط لأربعة أطفال وصل إلى حدود 22 ألف دولار"، متسائلاً "كيف يمكن للأسر اللبنانية تحمل هذه الأعباء".
كما دعا النواب اللبنانيين "إلى التحرك ورفع الصوت ضد غلاء الأقساط المدرسية، وحث على تأليف مجالس تحكيمية التي لم تتألف منذ العام 2016"، مشيراً إلى "أن هذه مسؤولية الحكومة اللبنانية وليست مسؤولية وزارة التربية، حيث تعنى هذه المجالس بمحاسبة المدارس المخالفة للقانون".
بين تحديات مالية تعصف بوزارة التربية والضغوط الإدارية والمالية التي تؤثر على سير العملية التعليمية، تتبقى تساؤلات كثيرة تحتاج إلى إجابات واضحة. هل ستتمكن الوزارة من تحمل الضغوطات المالية وتأمين حوافز العاملين في الامتحانات؟ وهل ستتمكن من الحفاظ على جودة التعليم وشفافية العملية التعليمية في ظل هذه التحديات؟ وما مدى تأثير هذه التطورات على مستقبل التعليم في لبنان؟ إن هذه التساؤلات تبقى محط اهتمام الجميع، وتتطلب تعاونا وجهودا مشتركة لإيجاد حلول مستدامة، تضمن مستقبلًا تعليميًا أفضل للأجيال القادمة في لبنان.