الإنسان” عنواناً لمهرجان بيروت للأفلام الفنية 2025”

في عالمٍ يرزح تحت وطأة الأزمات والحروب والاختلالات المناخية، يختار مهرجان بيروت للأفلام الفنية (BAFF) أنإلتر الإنسان في قلب المشهد. في دورته الحادية عشرة، التي تُقام بين 4 و14 تشرين الثاني، يرفع المهرجان شعار «مهرجان من أجل الإنسانية»، جامعاً 35 فيلماً، ومعرضين فنيين، و15 ندوة فكرية تُكرّس الحوار بين الفن والوجود الإنساني.

تقول أليس مغبغب، مديرة المهرجان، في تقديمها لهذه الدورة:

«في عالمٍ تغمره الأكاذيب، وتمزّقه الحروب والتلوث والأزمات البيئية وثورة الذكاء الاصطناعي، حيث تبقى حقوق الإنسان مهدَّدة، يمنح المهرجان الكلمة للفنانين والمفكرين الذين يجعلون من الإنسان محوراً للإبداع، كفعل إيمانٍ وأمل».

تُقام فعاليات المهرجان في مسرح بيريت والمكتبة الشرقية في جامعة القديس يوسف، على أن تمتد لاحقاً بين كانون الثاني وأيار 2026 إلى خمسة عشر مركزاً ثقافياً في مختلف المناطق اللبنانية، من بعلبك إلى زحلة وصور وصيدا وجبيل وغيرها.

ومن أبرز محطات هذه الدورة معرض «إيتيل عدنان: قصائد وروايات ومقالات 1966-2021»، وهو أول معرض مكرّس بالكامل لأعمالها الأدبية باللغات العربية والفرنسية والإنكليزية، يُقام بالتعاون مع المكتبة الشرقية بمناسبة مرور مئة عام على ولادتها. وتؤكد مغبغب أن المعرض «يُبرز الأساس الأدبي الذي شكل منبعاً لأسلوب عدنان التشكيلي الفريد».

افتتاح مكرَّس للإبداع اللبناني

يفتتح المهرجان بفيلم «قصر الحمراء، كنز آخر سلاطين إسبانيا» للمخرج مارك جامبولسكي، يتبعه تسليم جائزة «لوسيو د’Or» إلى سينتيا زافن، الفنانة اللبنانية المتعددة المواهب – عازفة البيانو والملحّنة وأستاذة الموسيقى في المعهد الوطني العالي للموسيقى.

يكرّم المهرجان زافن على عملها الذي يجمع بين الصوت والذاكرة والهوية، وعلى مسيرتها المميزة التي عبرت من المسرح إلى السينما والفن السمعي البصري، حيث عُرضت أعمالها في مؤسسات عالمية مثل متحف MAXXI في روما ومعهد الفن المعاصر في لندن ومهرجان كان السينمائي.

أفلام جديدة وأصوات أرمنية

تسلّط هذه الدورة الضوء على الفن الأرمني عبر الفيلم الوثائقي «كلمات غير منطوقة» للمخرجة جوزيان بلان، الذي يتتبع مسيرة الكوميدي والملهم جوزي بيرانيا، المصاب بالتلعثم، وكيف حوّل إعاقته إلى مصدر إلهام عالمي.
ويُختتم المهرجان بفيلم «لون الرمان»، المستوحى من عالم المخرج الشاعر باراجانوف، في عرض يجمع رقصاً وموسيقى شبابية مستوحاة من الذاكرة الأرمنية.

ومن اللحظات المنتظرة أيضاً العرض العالمي الأول لفيلم «من إسطنبول إلى بيروت، من بغداد إلى القاهرة: ألف طريقة للحداثة» للمخرجة إيلانا نافارو، التي تتناول فيه رحلة الفنانين من الإمبراطورية العثمانية إلى أوروبا بحثاً عن أساليب جديدة، قبل أن يعودوا ليبتكروا حداثة شرقية خاصة بهم، وينتهي الفيلم بتحية إلى إيتيل عدنان.

كما يعرض المهرجان فيلم «جون كوكتو» للمخرجة الأميركية ليزا إيموردينو فريلاند، الذي يعيد اكتشاف عبقرية الشاعر الفرنسي من خلال أرشيفات نادرة، إلى جانب فيلم «جون سينغر سارجنت: الموضة والأناقة» لدايفيد بيكرستاف، وفيلم «ضع روحك على يدك وسِر»، وهو عمل مشترك بين فرنسا وفلسطين وإيران للمخرجة صبيدة فرسي، التي اختارتها لجنة الـACID في مهرجان كان 2025.

عروض موسيقية ونقاشات فكرية

كالعادة، يخصّص المهرجان مساحة للعروض الموسيقية، فيقدّم هذا العام «توراندوت آي ويوي» للمخرج ماكسيم ديريفيانكو، الذي يتتبع رحلة الفنان الصيني آي ويوي في إخراج أوبرا «توراندوت» لبوتشيني في دار الأوبرا بروما. الفيلم يضيء على التزام الفنان في الدفاع عن العدالة وحرية التعبير، رابطاً بين الماضي الفني والواقع السياسي المعاصر.

أما النقاشات الفكرية، فتتجلى في ندوة بعنوان «غزة: التاريخ، التراث، والنقل عبر الأجيال»، بمشاركة الباحثة آن-ماري إده والخبير الأثري رينيه إلتر، اللذين عملا على توثيق التراث الفلسطيني خلال الحربين الأخيرتين.

فنّ من أجل الحياة

على مدى عشرة أيام، يقدم مهرجان بيروت للأفلام الفنية بانوراما إنسانية عميقة تجمع السينما والفكر والتأمل، وتعيد طرح سؤال الفن في زمن القسوة. وستُخصَّص عائدات المهرجان لصالح «مؤسسة إيمي بولس» التابعة لجامعة القديس يوسف دعماً لطلاب معهد الدراسات السمعية والسينمائية (IESAV).

أكثر من مجرد حدث ثقافي، يطمح المهرجان لأن يكون مساحة للتعبير والتلاقي، ونافذة يطلّ منها الأمل في عالمٍ مثقلٍ بالظلمات، حيث يبقى الإنسان، دائماً، المادة الخام لكل فنٍّ حقيقي.