المصدر: الديار
الكاتب: ندى عبد الرزاق
الأربعاء 21 شباط 2024 08:57:29
لا يختلف اثنان على ان الإجهاض موضوع مثير للجدل في العديد من المجتمعات حول العالم، والذي يعني التخلص من الجنين قبل ولادته، سواء كان ذلك من منطلق قرار شخصي او لأسباب اجتماعية أو مادية أو صحية، حيث يدور النقاش في هذه القضية حول حقوق المرأة والمحرمات والأخلاق والدين وحتى السياسة. وتختلف آراء الناس بشأن هذه المسـألة انطلاقا من معتقدات دينية وثقافية، او بناء على قناعات ووجهات نظر فردية.
على الصعيد القانوني، تتفاوت تشريعات الإجهاض بشكل كبير حول العالم، والتي تكون في بعض البلدان قانونية وشرعية ومتاحة بشكل علني، بينما تعتبر بلدان أخرى هذه الفكرة مخالفة للقانون ومقيدة بشروط صارمة، وتلعب العوامل الدينية والثقافية دورا أساسيا في تشكيل هذه التشريعات.
تجريم المرأة وتبرئة الرجل لماذا؟
محليا، ينظم القانون اللبناني الإجهاض بموجب المادة 539 من قانون العقوبات اللبناني، الذي يعتبره جريمة مع استثناءات محددة. وتسمح القوانين اللبنانية بالإسقاط في حالات معينة تتضمن خطرا على صحة الام، او عندما يكون الحمل نتيجة لاغتصاب او زنا محرّض عليه او انتحار طفل الحمل. وتشترط القوانين اللبنانية ان يتم التطريح بواسطة طبيب مؤهل.
وفي السياق، تحمّل النساء في لبنان المسؤولية القانونية والجنائية في حالة اجراء الإجهاض خارج الإطار القانوني المحدد، مما يعرضهن لعقوبات جنائية. وتجد فئة من القانونيين ان القوانين اللبنانية بشأن الإجهاض تحتاج الى تعديل وتحديث، لمواكبة التطورات الاجتماعية والطبية الحديثة، وضمان حقوق النساء في الوصول الى رعاية صحية آمنة.
وفي هذا الخصوص، أكدت مسؤولة وحدة العنف الاسري في منظمة "كفى" المحامية ليلى عواضة لـ "الديار" ان "عدم وجود ارقام تتعلق بحالات الإجهاض، خاصة وان هذا الامر يعاقب عليه القانون اللبناني، لكنه امر واقع ويحدث بطرق غير سالمة للنساء، وهناك خطر على حياتهن بسبب تجريم القانون لهذا الفعل". اضافت "في الوقت عينه يتفاعل المجتمع مع الاسقاط بحسب الجهة التي صدر عنها قرار التطريح، فيتسامح المحيط مع الزوج إذا كان هو من يريد التخلص من الجنين، وهناك نساء يهددن بالطلاق إذا لم يجهضن، ويبقى إلقاء الام لولدها قبل الاكتمال اهون من خراب البيوت، هذا من وجهة نظر المجتمع. بيد ان المرأة تقاصص إذا كانت هي من تريد "الترويح"، وهنا يوجد ازدواجية بالتعاطي مع هذه المسألة. لذلك من الافضل تشريع الإجهاض للمحافظة على حياة النساء، ولمنع حصوله في الأماكن المظلمة وبوسائل لا تمت الى الطب بصلة".
الدين جازم... لكن!
من الجانب الديني، قال رئيس دائرة الفتاوى في دار الفتوى ببيروت الشيخ وسيم المزوّق لـ "الديار": "إذا تجاوز عمر الجنين الأربعين يوما فشرعا يحرّم الإجهاض عند كل المذاهب، والتحجج بالأوضاع المادية غير مبرر الا اللهم كما ذكر العلماء، اي إذا كان يوجد خطر على حياة الام او تشوهات بالجنين، وتبين ذلك قبل ان يطبق الـ 4 أشهر".
وأشار الى "وجود خلاف بين الفقهاء قبل الأربعين، بحيث ان هناك من أجاز الإجهاض سواء بالنسبة للظروف الاقتصادية او بسبب مسائل أخرى، باعتبار ان النبض لم يتكون بعد، ومنهم من حرّمه لان هذا الجنين هو هدية من الله طالما حصل الحمل، أي ثبت ولو حتى قبل الأربعين، لأنه أصبح يوجد حياة نباتية لهذه الروح، لذلك لا يجوز الإجهاض".
وتابع: "يوجد قولان: قول أجاز، وقول منع، والأَوْلَى عدم الاسقاط خروجا من الخلاف، وانطلاقا من القاعدة الفقهية الخروج من الخلاف مستحب، وإذا أكمل الجنين الأربعين يحرم التطريح بسبب الأمور المادية، ونحن نوصي بأخذ الأسباب قبل حدوث الحمل".
اما الأخت ريتا، فقالت لـ "الديار" "تختلف آراء الدين المسيحي بشأن الإجهاض، وتعتمد على التفسيرات اللاهوتية والمذاهب المسيحية المختلفة. فالكنيسة الكاثوليكية تعتبر الإجهاض سقطة أخلاقية ، وتروج لحماية حقوق الجهيض ككائن حي. اما الكنائس البروتستانتية فتوجهاتها تتباين، حيث تعتبر بعض الكنائس ان "الترويح" غير مقبول، الا في حالات معينة مثل التهديد الحقيقي لحياة الام. في حين تقبل بعض الكنائس الإجهاض في حالات أخرى، مثل الاغتصاب او الخطر على صحة الام".
وأشارت الى "ان آراء الديموقراطيين المسيحيين بخصوص هذه القضية تتنابذ وفقا للتوجهات الفردية والفئوية داخل هذا الاتجاه السياسي والديني، فمثلا يعتبر بعض الافراد والمجموعات الديموقراطية المسيحية ان الإجهاض التلقائي غير مقبول من منظور القيم والأخلاق المسيحية التقليدية التي تحترم حقوق الجنين، وتطالب بحماية حقوقه. من جهة أخرى، قد تدعم الأصوات المطالبة بالحفاظ على حق المرأة في اتخاذ القرار بشأن جسدها".
وختمت الأخت ريتا موضّحة ان الكنيسة المسيحية بشكل عام تدعو الى احترام حياة الانسان منذ اللحظة الأولى لتكوينه، وتشجع على اتخاذ القرارات الأخلاقية والمسؤولة فيما يتعلق بالحياة والموت".
الخير والشر
على الصعيد الأخلاقي، تثير هذه القضية الكثير من الأسئلة حول حقوق الانسان والقيم الأخلاقية، لا سيما الرادع الديني الذي يحرم قتل الجنين ويمر في 3 اطوار هي: النطفة والعلقة والمضغة، وتكون في ثلاث اربعينات. لذلك يعد قتل هذه الروح انتهاكا لحقوق الجنين كمخلوق حي خلوي صغير، في حين يرى آخرون ان هذه العملية هي حق من حقوق السيدة.
الحالات بالمئات وغير موثقة!
في لبنان تجري عمليات الإجهاض بوتيرة متسارعة، وهي غير مسجلة بشكل دقيق لان الإجهاض غير قانوني في اغلبية الحالات. وقد أكد مصدر في وزارة الصحة لـ "الديار" "عدم وجود بيانات رسمية في هذا المجال"، لكن وبحسب المصدر فان "التقديرات غير الرسمية تشير الى وجود ارقام مريعة من حالات التطريح والنسبة تجاوزت في الآونة الأخيرة الـ 25%، ونعتقد ان الاعداد أكبر بكثير".
فوق ذلك، أظهر تقرير لمنظمة الصحة العالمية "وجود حوالى 73.3 مليون اجراء اجهاضي غير آمن يحدث سنويا في العالم، وهو ما يمثل حوالى 15% من جميع الحملات. واشارت الاحصائيات الى ان نحو 22 مليون حالة غير آمنة تحدث سنويا في البلدان ذات الدخل المنخفض والمتوسط".
وفي هذا الخصوص، قالت الطبيبة المتخصصة في الصحة العامة ليا أبو نعوم لـ "الديار" ان "معدل تنفيذ عمليات الإجهاض ارتفع مؤخرا بشكل مثير للقلق بنسبة تتراوح بين 10 الى 13% تقريبا، والسبب يعود الى تجريم الاسقاط، وهناك نساء يتناولن حبة دواء مخصصة لهذه الغاية تؤدي الى التطريح، ومن ثم يعاودن الدخول الى المستشفى. وطبعا تلجأ قسم كبير الى الطرق التقليدية "الارخص"، ولا يمكن تصور او توقع الضرر الناتج من استخدام وسائل حادة قد تؤدي الى الموت".
الى جانب ذلك، أوضح مصدر في مستشفى جبل لبنان لـ "الديار" ان "من بين كل 10 سيدات هناك 4 يلجأن الى الطرق التقليدية، او الوصفات الشعبية لإنهاء الحمل غير المرغوب فيه، لأسباب اقتصادية او نتيجة الخلافات الزوجية، بالإضافة الى عوامل أخرى مثل الفقر وارتفاع تكلفة الكشفية الطبية والعمليات الجراحية، وللهروب من القانون الذي يجرم الاسقاط ويمنعه. وأضاف المصدر "تنتشر عمليات الإجهاض غير القانونية في المناطق الشعبية، وبشكل خاص في مخيمات النازحين السوريين والفلسطينيين. وهذه الآلية قد تعرض السيدات لمخاطر صحية جسيمة، ينتج منها وفاة السيدة والجنين".
استثمار في البطاقات الصحية
وعلمت "الديار" ان افرادا من النازحين السوريين يقومون بتوظيف بطاقاتهم الصحية بإعطائها لمواطنين لبنانيين، تحت مسمّى "تأجير البطاقة" مقابل الحصول على مبالغ مالية بالدولار، على النحو الذي حدث مع السيدة ربى التي قالت لـ "الديار": "اضطررت للقدوم من عرمون الى البقاع الأوسط، لعدم قدرتي على دفع تكاليف الولادة في المستشفيات المأمونة طبيا، ولان المستشفى التي قصدتها تغطي هذا النوع من العمليات، وادارتها تعلم أن البطاقة الصحية تعود لسيدة نازحة وليست لي، ورغم ذلك أصيبت الرضيعة بعد حوالي الشهر بالتهابات حادة، وتم نقلها الى مستشفى جبل لبنان والسبب كان قلة النظافة".
اما ريم فقالت لـ "الديار": "قصدت مخيم للنازحين السوريين في سهل البقاع بهدف الإجهاض، حيث عاينتني سيدة خمسينية تدعى "ام احمد"، وطلبت اجرة 100 دولار بدل اتعابها، ومع انني كنت مرتعبة لكنني قررت الرضوخ، فالقابلة لم تكن متعلمة ولا تحمل شهادات، وجل ما تعرفه خبرة اكتسبتها من عمليات مماثلة. ولكن اعترف انني ارتكبت خطأ لأنني بعد 5 أشهر، اجريت عملية استئصال لبيت الرحم نتيجة اصابتي بالتهابات ومضاعفات صحية خطرة".