الارتفاع في أسعار اليوروبوندز اللبنانية: تقدّم وهمي أو مؤشر لتحوُّل فعلي؟

تُعدّ أسعار سندات اليوروبوندز السيادية المتداولة في أسواق المال العالمية، مؤشرا واضحا لارتفاع معدلات النمو الاقتصادي في البلاد، أو تراجعها، وتقييما مباشرا لحال المخاطر الائتمانية المحدقة، واحتمال تخلف الدولة المعنية عن السداد.

في الحالة اللبنانية، أدخلت حكومة حسان دياب في آذار/مارس 2020 لبنان في نفق التخلف عن الدفع، وألحقت البلاد بركب الدول المفلسة وذات السمعة السيئة في الائتمان، بعكس السياسة التي اعتمدها المسؤولون اللبنانيون تاريخيا، بإلزامية إيفاء لبنان جميع الديون المستحقة على الدولة وفوائدها، واشتراكات الانتساب إلى المنظمات والجمعيات الدولية، ترسيخا لصدقية لبنان وحماية لسمعته الدولية.

سوء قرار حكومة دياب، لحقت به تبعات عدم مبادرة الدولة إلى التفاوض مع حاملي السندات برغم الوعود، وتماديها في إهمال ملف بحجم 31.5 مليار دولار مع فوائدها، كاد أن يهدد أصول الدولة في الخارج، ويقطع سبل التعامل المالي والمصرفي كليا عن البلاد، لولا عناية بعض السياسات الصديقة والشقيقة للبنان.

توقف لبنان عن سداد سندات اليوروبوندز وعائداتها للمرة الأولى في تاريخه، فيما كان يملك نحو 32 مليار دولار احتياطات بالعملات الأجنبية، وقرابة 15 مليار دولار من احتياط الذهب، وفق ما تؤكد مصادر مصرفية. في المقابل، "تعمدت الحكومة دعم السلع المستوردة بما أدى إلى استنزاف نحو 14 مليار دولار من أموال المودعين المدمجة حينه مع احتياطات مصرف لبنان".

ارتفاع الأسعار من 6 إلى 22 سنتا (366%)

ارتفعت سندات اليوروبوندز اللبنانية في الآونة الأخيرة من نحو 6 سنتات للدولار عام 2021 إلى نحو 20–22 سنتا. بيد أن هذا "التحسن" في رأي مصادر مصرفية "يجب ألا يقرأ بسطحية، أو يقدم كنجاح مالي، من دون التمعن في السياق العام الذي رافقه والأسباب البنيوية التي لا تزال تعوق أي انتعاش فعلي في موقع لبنان المالي والائتماني".

تبلغ القيمة الإسمية لسندات اليوروبوندز اللبنانية نحو 31.5 مليار دولار، تضاف إليها فوائد مستحقة تراوح بين 11 و12 مليار دولار لم تسدد منذ 2020، وقد خسر المستثمرون نحو 78% من قيمة استثماراتهم.

وفق الخبير المالي والمصرفي نسيب غبريل، تستفيد الدولة اللبنانية تكتيّا من انخفاض الأسعار، لأن أي تفاوض مستقبلي سيجعل قيمة الاسترداد أقرب إلى السعر السوقي (حاليا 22 سنتا)، لا الإسمي (100 دولار)، فيما حاملو السندات، من مصارف استثمارية وشركات إدارة أصول وصناديق دولية، يسعون إلى تعظيم استرداد استثماراتهم، رغم شرائهم سندات لبنانية بتصنيف ائتماني متدنٍ (B–) أو أقل، عالمين بالمخاطر السيادية.

إيجابيات الارتفاع الأخير؟

تشير تقارير "موديز"، "فيتش"، "ستاندرد آند بورز"، و"كابيتال إنتليجنس"، إلى أن أي تحسن في تصنيف لبنان الائتماني مرهون ببدء مفاوضات إعادة الهيكلة. ومع غياب التقدم الفعلي، يبقى لبنان في أدنى درجات التصنيف، وخارج الأسواق المالية العالمية.

والارتفاع الأخير في أسعار اليوروبوندز، في رأي غبريل "لا يعكس تحسنا فعليا في البيئة المالية أو الائتمانية للبلاد. بل هو نتيجة توقعات مضاربية ومؤشرات سياسية غير مترسخة بعد. فلبنان لا يزال مهمشا عن النظام المالي الدولي، وعاجزا عن الاستدانة من الأسواق، ويفتقر إلى خطة إصلاحية واضحة، ويشهد قطاعه الخاص أزمة ثقة غير مسبوقة.

لذا، المؤشر الحقيقي لأي تقدم في إطلاق مفاوضات شفافة وجدية مع حملة السندات يجب أن يترافق وفق غبريل "مع خطة إصلاح مالي واقتصادي تعيد إلى لبنان ما فقده من ثقة ومكانة. وحتى ذلك الحين، ستبقى الأسعار مهما ارتفعت، مجرد أرقام لا تغير في الواقع شيئا".

قرار التخلف لم يكن مجرد خطوة تقنية، بل عُدّ جزءا من مشروع سياسي أوسع، اتخذ موقفا ارتجاليا من الدين العام والدائنين، أدى إلى انهيار أسعار السندات إلى 6 سنتات على الدولار. ورغم توقيع الحكومة في نيسان/أبريل 2022 اتفاقا مبدئيا مع صندوق النقد الدولي تضمن تسع خطوات إصلاحية، أبرزها إعادة هيكلة الدين العام، لم تنفذ أي من هذه الخطوات حتى اليوم.