الاستحقاق الرئاسي في لبنان: "نوعية الكباش" قد تُحدِث "مفاجأة جيّدة"

كثرت في لبنان المواصفات التي قدّمها المعنيون بانتخاب رئيس جديد للجمهورية،ولكن لم يتوصّل أحد بعد، الى تسمية صريحة لشخصيات يمكن أن تنطبق عليها هذه المواصفات التي يعتقد بأنّها، بالنظر الى وضعيّة لبنان السياسيّة، "طوباويّة".

وعلى الرغم من دخول الاستحقاق الرئاسي في "زمنه الدستوري" منذ الأوّل من أيلول/ سبتمبر الجاري، فإنّه لم تتكوّن الظروف المؤاتية لدعوة مجلس النواب الى جلسة انتخاب.
ومن الواضح أنّ "حزب الله" وحلفاءه الذين لم يتمكّنوا بعد من التوافق على شخصية تناسبهم لموقع الرئاسة، يبذلون جهدهم لتشكيل حكومة جديدة تتولّى هي، ومن دون اشكاليات دستورية، صلاحيات رئيس الجمهورية، بعد انتقال الرئيس ميشال عون الى منزله الجديد الذي اهتمّ، خلال ولايته، ببنائه في بلدة الرابية التي سكن، بالاعارة، فيلا فيها، عند عودته من باريس.

 

وثمّة بون شاسع، بين "حزب الله" وحلفائه، من جهة والقوى السياسية المناوئة له وتلك التي تكتفي بعدم تأييده، من جهة أخرى، فالحزب يريد رئيسًا "يطمئن إليه"، أي يُبقي "الخلل السيادي" على ما هو عليه، في حين تريد القوى الاخرى "رئيسًا يستعيد الدولة من قبضة الحزب".

واذا كان "حزب الله"، بفعل وضعية "التيّار الوطنيّ الحر"، غير قادر على تجميع حلفائه على اسم واحد، فإنّ القوى الأخرى لم تتوصّل، بدورها، الى التوافق على أيّ شخصيّة.

ولو كان "حزب الله" يقبل بأن تأخذ اللعبة الديموقراطية مجراها، لكان يمكن حلّ معضلة التوصّل الى انتخاب شخصية مناسبة للرئاسة، في الدورات الانتخابية المتتالية التي يفترض ان يعقدها مجلس النواب، وفق مقتضيات النص الدستوري، لأنّ من شأن هذه الدورات، كما هي عليه حال كل انتخابات تجري في "هيئات مغلقة"، أن تدفع بالجميع الى التعقّل والقبول ب"أفضل الممكن".

لكنّ "حزب الله" يرفض الذهاب الى جلسة انتخاب جديّة، اذا لم يكن قد ضمن وصول الاسم الذي يريده، تمامًا كما كان قد حصل في الفترة الطويلة التي فصلت بين نهاية ولاية الرئيس ميشال سليمان وانتخاب الرئيس ميشال عون.

ولهذا، فإنّ الشغور الرئاسي لا يزال الأوفر حظًّا، ممّا يجعل التحرّكات الرئاسية التي يجريها هذا الطرف او ذاك، مجرّد "لهو في الوقت الضائع".

ولكن، هل يستمر الوضع على ما هو عليه، في الفترة المقبلة من "الزمن الدستوري" للاستحقاق الرئاسي؟

لا ريب أنّ هناك تطوّرات تحاول أن تفرض نفسها، ومن شأنها أن تحدث تغييرًا كبيرًا في المعطيات.
ومن بين هذه المعطيات يمكن التوقف عند ثلاثة منها فقط:

اوّلًا، إنّ موافقة الصين وروسيا وفرنسا وايطاليا، بوجه خاص، على إدخال تعديلات تغضب "حزب الله" على مهام "اليونيفيل"، ليست مسألة عابرة، بل هي تظهر أنّ هناك تقاطعًا في النظرة الدولية، على الرغم من افتراقها الكبير في ملفات أخرى، على موقع لبنان الاقليمي، بحيث اصبح ضمن منطقة الثروات الطبيعية الموصولة بالإتّحاد الأوروبي، ولم يعد مجرّد كيان قائم على "فالق عسكري".

ثانيًا، على الرغم من التعثّر "المرحلي" في الملف "النووي الايراني"، فإنّ الولايات المتحدة الاميركية، كما تؤكّد المعلومات، نجحت وتنجح في تذليل الصعوبات التي كانت تحول دون ترسيم الحدود البحرية مع إسرائيل، في ظل تنازل لبناني ثابت عن الخط ٢٩ في مقابل الخط ٢٣ الذي يتم تذليل آخر المعوقات في شأنه.

ثالثًا، توسيع آفاق التنسيق بين الولايات المتحدة الاميركية وفرنسا والمملكة العربية السعودية في ما خصّ الشأن اللبناني، في مرحلة الاستحقاق الرئاسي، وهذا يعني، من دون أدنى شك، أنّ واشنطن وباريس تريدان عودة سعودية كاملة الى لبنان الذي يحتاج الى راع مالي واقتصادي.
ويستحيل أن تقبل الرياض بهذه المهمة اذا بقي لبنان في قبضة "حزب الله".
ولكنّ الرياض، وفق ما أظهرت التجربة العراقية، لا ترفض أن يكون لايران التي "تحاورها ببرودة"، دور ، اذا تمّ التوصّل معها الى توافق حول شخصية تتمتّع بتلك التي تتوافر عند العراقي مصطفى الكاظمي.

ولهذا، وفي وقت يضغط فيه الانهيار المالي على الواقع الامني في لبنان، ويضغط فيه الانهيار الاقتصادي على الواقع المعيشي للبنانيين، فإنّ التطوّرات الاقليمية والدولية المتزامنه من شأنها أن تحدث "مفاجأة ايجابية" على مستوى الاستحقاق الرئاسي، بحيث يتم املاء الشغور ، بسرعة نسبيّة، اذا لم تحصل الانتخابات في مواعيدها الدستورية.

وثمّة من يعتقد بأنّ حصول الانتخابات الرئاسية في مواعيدها الدستورية من شأنه الاتيان بشخصية مدنية، اقتصادية او سياسية، الى القصر الجمهوري في حين تأخّرها عن "زمنها" لبعض الوقت يفسح المجال أمام وصول شخصية عسكريّة.

ومن يدقق في المواقف، فإنّه في وقت تشهد فيه أسماء الشخصيات المدنية المرشحة للرئاسة انقسامات عميقة، فإنّ ردود الفعل على اسم قائد الجيش العماد جوزف عون تتراوح بين الايجابية هنا و"الصمت" هناك.