كادَ إضراب موظفي هيئة أوجيرو أن يمرّ كغيره من الإضرابات، إما بعقدِ تسوية مع وزارة الوصاية أو بطلبٍ مموَّهٍ برجاءٍ من مرجعية سياسية ما. لكن الإضراب المفتوح المعلَن يوم الجمعة 24 آذار، أُريدَ منه أن يكون محطّة مفصلية على مستويين، الأوّل يتّصِل برواتب ومستحقات موظّفي أوجيرو، والثاني يتعلّق بحماية المال العام عبر تصحيح الخلل القائم حول آلية تسعير خدمة الإنترنت E1 التي تشتريها الشركات الخاصة من أوجيرو. على أنَّ الكلمة الفصل تبقى لمجلس الوزراء إذا ما طرح وزير الاتصالات جوني القرم الملف على المجلس حين ينعقد خلال أسبوع. وحينها يقرِّر موظّفو أوجيرو خطوتهم التالية.
تعليق الإضراب
السقف المرتفع الذي عبَّرَ عنه القرم غالباً في تصريحاته، سرعان ما انخفض. فالقرم وَعَدَ بـ"لعب دور الوسيط بين نقابة الموظفين والمسؤولين المخوَّلين اتخاذ القرارات". ودعا مجلس الوزراء إلى "عقد جلسة طارئة وعلى جدول أعمالها ملف موظّفي هيئة أوجيرو".
اعتَبَرَ الموظّفون التهدئة "بمثابة إعلان نوايا حسنة من الوزير، ولا بدَّ من ملاقاتها بنيّة حسنة"، فقرّر مجلس النقابة "تعليق الإضراب ريثما يتِّخذ مجلس الوزراء قراره بهذا الملف. فإذا لم تكن الجلسة المقبلة إيجابية، ستعلن النقابة استئناف إضرابها المفتوح، مع التصعيد"، وفق ما تؤكّده مصادر في النقابة لـ"المدن".
وفي بيان رسمي أعلن مجلس النقابة، "تعليق الإضراب من يوم السبت 1 نيسان ولغاية انعقاد أول جلسة لمجلس الوزراء، وبناءً على ما سيصدر عنها يبنى على الشيء مقتضاه".
ويراهن الموظّفون على "سلّة من إجراءات مترابطة تقوم على تعديل تعرفة الـE1 الذي تشتريه الشركات الخاصة من أوجيرو، بالإضافة إلى تحسين الرواتب لمواجهة التضخّم الحاصل في البلد". وبحسب المصادر، إن "مسألة الأسعار هي الأهم لأنها ستُحَسِّن إيرادات أوجيرو لتتكمَّن من تغطية النفقات التشغيلية ورواتب الموظّفين".
فضيحة الأسعار
تكشف المصادر أن "نقابة الموظفين أرادت بإضرابها إصابة عصفورين بحجر واحد، أي طرح مسألة الرواتب وأسعار الإنترنت. علماً أن السلطة السياسية لم تتمكّن من التغطية على الشقّ المتعلّق بالأسعار رغم الضغوط التي مورِسَت على النقابة من كلّ الجهات لفكّ الإضراب. وأيضاً لم تتمكّن من تسيير هذا المرفق من دون الموظّفين. ولذلك لا طائل من الإبقاء على بيع حزمات الإنترنت للشركات الخاصة بالليرة فيما أوجيرو تشتريها من الخارج بالدولار، والشركات تبيعها لمشتركيها بالدولار".
ولحلّ الأزمة "يُفترض على مجلس الوزراء في جلسته المقبلة، إقرار مرسوم تعديل الأسعار لتبيع أوجيرو الإنترنت للشركات بالدولار. وليس فقط لشركات توزيع الإنترنت، وإنما لشركتيّ الخليوي ألفا وتاتش أيضاً، لأنهما تستفيدان من هذه الثغرة، إلى جانب الاستفادة من حسم 15 بالمئة على الكلفة، بذريعة أنهما متعاقدتان مع الدولة لإدارة القطاع. ما يعني أنهما تحصلان على الخدمات بسعر بلا قيمة فعلية تُذكَر، وتبيعانها لتحقيق أرباح خيالية".
وتجدر الإشارة إلى أن شركات الإنترنت الخاصة تشتري حزمة الـE1 بنحو 460 ألف ليرة (نحو 4.3 دولار) وتبيعها بنحو 200 دولار. والشركات الموزِّعة في الأحياء، تُلزِم المشتركين بالدفع بالدولار "الفريش" بما لا يقل عن 10 دولار للحزمة المؤلّفة من 220 GB وبسرعة انترنت 4MB .
وترجّح المصادر أن يجد مجلس الوزراء حلّاً لمسألة بيع الإنترنت بأبخس الأثمان، لأن المماطلة تفتح ملفات أعمق، منها "سبب نقل وزير الاتصالات الأسبق جمال الجراح تسعيرة البيع من الدولار إلى الليرة، في العام 2017، ولم يُفتَح الملف حتى الآن. فضلاً عن انغماس شركتيّ الخليوي في هذه الوحول. فتعديل الأسعار الذي حصل منتصف العام 2022، زاد أسعار الاتصالات والإنترنت من أوجيرو بمعدّل 2.5 مرات، تُدفَع بالليرة، وزادت في المقابل أسعار خدمات شركتيّ الخليوي بمعدّل 3.3 مرات، بالدولار على سعر منصة صيرفة... فكان لا بدّ من مخرج يٌبَرِّد سخونة الملف".
رفض الخصخصة ورفع التعرفة
لا يخفى على أحد في ذروة النقاش حول التسعير، أن يحاول مجلس الوزراء ربط رفع التسعيرة برفع التعرفة على المواطنين مرة أخرى. ولا بد بالتالي من التحذير، لأن الربط يُلقي بالثقل كلّه فوق المواطن. فقد يتمكّن المجلس من رفع تسعيرة الـE1 والقبض من الشركات بالدولار، لكن مَن يضمن عدم رفع التعرفة على المواطن بحجّة رفعها على الشركات؟. ولا يفترض بالأسعار أن ترتفع على المواطنين لأن الثغرة هي في صلة الوصل بين الشركات وأوجيرو. فالشركات تقبض بالدولار، وعليها الدفع لأوجيرو بالدولار، ولا دخل للمواطنين بكل ذلك.
لكن لا أحد يضمن شيئاً، لأن "الهدف الأبعد للمنظومة الحاكمة هو تدمير القطاع وخصخصته، وهي المعركة الثانية التي سيطلقها الموظفون في حال رفعت الأسعار على المواطنين". لذلك يحذَر الموظفون وزارة الاتصالات والحكومة من "اتخاذ أي قرار متسرِّع ويضرّ بمصلحة المواطنين والمصلحة العامة". ويدعون إلى "لحظ المسار التضخّمي الذي ينخر أوجيرو مثلما تم لحظ المسار عينه بالنسبة لقطاع الخليوي الذي يشتري خدماته من أوجيرو".
بيع الإنترنت للشركات بالسعر البخس لا يوصَف إلاّ بكونه هدراً للمال العام وإكساب "الغير" ربحاً غير مشروع على حساب المال العام. ولذلك، على مجلس الوزراء أن يعيد التوازن إلى طبيعة التعاقد بين أوجيرو والشركات لتنتظم العلاقة أيضاً بين الشركات والمواطنين ولتستعيد خزينة الدولة مالها المهدور عن سابق إصرار وتصميم وسط غياب للمرجعية الناظمة للقطاع، وهذا الأمر يبدأ من عند وزير الاتصالات وينتهي بمجلس الوزراء.