المصدر: نداء الوطن
الكاتب: رماح الهاشم
الخميس 20 تشرين الثاني 2025 06:12:29
يشهد السوق الصناعي المحلي تحسّنًا، لكن القطاع يُواجه تحديات كبيرة على صعيد التصدير، حيث تصطدم الطموحات بواقع إقليمي غير مُستقرّ وظروف اقتصادية معقدة. وبينما يوصف الوضع الداخلي بأنه "مريح نسبيًا"، تبقى الأسواق الخارجيّة، ولا سيّما الخليجيّة منها، بعيدة عن الانفتاح الكامل أمام المنتجات اللبنانية، ما يحدّ من قدرة الصناعيين على استعادة زخمهم المعتاد. وبين التفاؤل بإمكان تحسّن العلاقات الاقتصادية واستمرار العوائق اللوجستيّة والسياسيّة، يقف القطاع الصناعي أمام اختبار حقيقي لتثبيت حضوره في الأسواق الخارجية.
"الواقع الصناعي في لبنان يمكن اعتباره اليوم جيدًا نسبيًا على صعيد السوق المحلي. فالصناعة اللبنانية باتت تشكّل نحو 65 % من المنتجات المعروضة على رفوف المحال التجارية والسوبرماركت، في حين لم تكن تتجاوز 30 إلى 35 % قبل الأزمة الاقتصادية في عام 2019"، وفق ما يقول نائب رئيس جمعية الصناعيين في لبنان زياد بكداش.
تراجع الاستيراد
في هذا الإطار، يُوضح بكداش لـ "نداء الوطن"، أن "هذا التحوّل يعود أساسًا إلى تراجع الاستيراد من الخارج نتيجة الأزمة المالية وجائحة "كوفيد-19"، ما دفع المستهلك اللبناني - الذي كان يميل تقليديًا نحو السلع الأجنبية - إلى التحوّل نحو المنتج المحلي. وقد ساعد في ذلك أن المنتج اللبناني كان أرخص نسبيًا بنسبة تراوحت بين 25 و40 % بحسب نوع السلعة، مع جودة مماثلة للمنتجات المستوردة".
ومع انتهاء الأزمة وتحوّل الرسوم والضرائب إلى الدولار، يُشير بكداش إلى أن "كلفة الاستيراد ازدادت، فيما حافظت الصناعة المحلية على مستوى مقبول من الأسعار، الأمر الذي شجّع شريحة واسعة من المواطنين على دعم الإنتاج الوطني، بدافع من الوعي المتزايد بأهمية تعزيز الصناعة اللبنانية لعدة أسباب أساسية:
اولًا- الصناعة اللبنانية تؤمّن فرص عمل لحوالى 250 ألف عامل لبناني، إضافة إلى عدد كبير من العمال الموسميين، وخصوصًا الطلاب الذين يعملون خلال فصل الصيف لتغطية نفقاتهم الدراسية.
ثانيًا- شراء المنتج اللبناني يساهم في إبقاء ما بين 60 و95 % من قيمة البيع داخل لبنان، في حين أن شراء المنتجات المستوردة يؤدي إلى خروج نحو 70 % من قيمتها إلى الخارج.
ثالثًا- تنشيط الدورة الاقتصادية من خلال ضخ أموال جديدة في السوق المحلي عبر عمليات التصدير التي ازدادت خلال السنوات الأخيرة.
رابعًا- تحسّن القدرة التنافسية للمنتجات اللبنانية التي أصبحت في كثير من الأحيان أرخص من السلع المستوردة".
نشوء صناعات جديدة
ويوضح بكداش أن " لبنان شهد خلال الأزمة نشوء صناعات جديدة لم تكن موجودة سابقًا، مثل تصنيع الكمامات وأجهزة التنفس ومجموعة من المنتجات الطبية والغذائية الإضافية. كذلك، وسّعت مصانع عدة خطوط إنتاجها وأضافت أنواعًا جديدة من السلع، ما أدّى إلى تعزيز المنافسة الداخلية وتنوّع الخيارات أمام المستهلك اللبناني".
التحديات
أمّا عن التحديات التي تُواجهها الصناعة اللبنانية، فيُوضح أن "الصناعة اللبنانية اليوم تتأذى بشكل واضح من تفاقم ظاهرة الاقتصاد غير الشرعي".
ويقول: "في حين يقدَّر عدد المصانع الشرعية المسجَّلة في لبنان بنحو 4,000 مصنع، تُشير التقديرات إلى وجود ما بين 2,000 و3,000 مصنع غير شرعي يعمل خارج الإطار القانوني والضريبي، ما يخلق خللًا كبيرًا في المنافسة العادلة داخل السوق المحلي".
يضيف: "عندما نتحدث عن اقتصاد غير شرعي، فنحن نعني بذلك التهرّب الضريبي والجمركي، فعلى الرغم من أن المعابر غير الشرعية أقفلت بمعظمها، إلا أنّ عمليات التهريب مستمرة، سواء عبر المطار أو المرافئ الشرعية".
وهنا يُعطي مثالًا، "تُدخل بعض الجهات بضائع بكميات صغيرة دون تسديد الرسوم الجمركية كاملة، أو تُصرّح بفواتير مخفضة القيمة، بحيث يُسجَّل ثمن السلعة بنصف قيمتها الفعلية، ما يؤدي إلى تهرّب بنحو 50 % من الرسوم المستحقّة. كما تُمارَس أساليب أخرى للتهرّب عبر إدخال حاويات تحوي أصنافًا متعدّدة، فيُدرج نصفها ضمن بنود جمركية منخفضة (5 %) بدلًا من الأصناف التي تخضع لرسوم أعلى (20 % أو 25 %)، مما يُلحق ضررًا مباشرًا بالصناعة الوطنية".
التحدّي الأكبر
وفي الإطار هذا، يشير بكداش إلى أنه "قد طُرحت مرارًا مبادرات لتركيب أجهزة سكانر متطورة في المرافئ والمعابر لتعزيز الرقابة على الحاويات، إلا أن التنفيذ لا يزال بطيئًا. ويبقى التحدّي الأكبر في التصريح بفواتير مخفضة، وهي مسألة لم تُعتمد لها بعد آلية رقابة فعّالة أو حلول عملية".
ويعتبر أن "هذا الواقع يُضعف قدرة المصانع الشرعية على المنافسة، لأنها تدفع الضرائب والرسوم في حين أن منافسيها في الاقتصاد غير الشرعي يعملون خارج المنظومة الضريبية. كما أن كلفة الضرائب على المصانع الشرعية ارتفعت مقارنةً بما كانت عليه في عامَي 2019 و2020، ما جعل القدرة التصديرية للبضائع اللبنانية أكثر صعوبة".
مناخ اقتصادي عادل
يلفت بكداش إلى أنه "رغم أن القطاع الصناعي لا يطالب بدعم مباشر من الدولة في ظل الأزمة المالية الحالية، إلا أنه يحتاج إلى مناخ اقتصادي عادل يتيح له العمل بظروف متكافئة. فدعم الإنتاج الصناعي يؤدي في النهاية إلى زيادة التصدير وبالتالي رفع إيرادات الدولة من الضرائب والرسوم، أي أن الفائدة تكون متبادلة". مشيرًا إلى أن "معظم المشاريع الصناعية الطويلة الأمد متوقفة أو تعمل بقدرات محدودة نتيجة غياب الاستقرار والسياسات التحفيزية".
معضلة الأسواق الخليجيّة
يتطرّق بكداش إلى مسألة هامّة وهي "معضلة الأسواق الخليجيّة"، حيث يشير إلى أن "الأسواق الخليجية - وفي مقدمها السعودية والبحرين - لا تزال مغلقة أمام الصادرات اللبنانية منذ عام 2019، بينما يُواجه الصناعيون صعوبات في الحصول على تأشيرات دخول إلى الإمارات والكويت، ما يعني غيابًا شبه كامل للسوق الخليجية التي كانت تاريخيًا أحد أهم منافذ التصدير".
ويُوضح أن "هذه التطورات تُشكّل تحديًا وجوديًا للصناعة اللبنانية، لأن المصانع التي لا تعمل بقدرة إنتاجية لا تقل عن 16 ساعة يوميًا لا يمكنها تغطية كلفة تشغيلها، ما يهدّد العديد منها بالإقفال أو الإفلاس".
الأسواق الأوروبية
على صعيد الأسواق الأوروبية، يلفت بكداش إلى أن "الأزمة الاقتصادية في أوروبا أثرت أيضًا على انخفاض حجم التصدير اللبناني إليها. ووفق الأرقام، فقد بلغ حجم الصادرات اللبنانية حوالى 4.5 مليارات دولار عام 2024، إلا أنه تراجع عام 2025 إلى نحو 2.5 مليار دولار، نتيجة العوائق التجارية، وضعف القدرة التنافسية، وتراجع الأسواق الإقليمية والدولية".
إذًا، "الوضع في السوق المحلي اليوم يُعتبر مريحًا نسبيًا، لكن على صعيد التصدير، الصورة مختلفة تمامًا. فحتى تاريخه، الظروف لا تزال صعبة وغير مستقرة، رغم تفاؤلنا الدائم بإمكانية تحسّن العلاقات الاقتصادية مع الأسواق الخليجية"، وفق بكداش.
مع ذلك، يلفت إلى أنه "يجب أن نكون واقعيين: السوق الذي نخسره لخمس أو ست سنوات، من الصعب جدًا استعادته بسرعة".
على سبيل المثال، في "عام 2018 كانت الصادرات اللبنانية إلى المملكة العربية السعودية تقارب 250 مليون دولار، وكان هدف الصناعيين حينها مضاعفة هذا الرقم بفضل الكلفة المنخفضة للإنتاج وسعر صرف الدولار الثابت عند 1,500 ليرة".
ويشير إلى أنه " مع إغلاق الأسواق السعودية والبحرينية وبعض الأسواق العربية الأخرى، تراجعت القدرة التصديرية بشكل كبير. واليوم، حتى لو أُعيد فتح هذه الأسواق، لن نتمكن من الوصول إلى أرقامنا السابقة بسهولة، لأن الفراغ الذي تركناه في السوق ملأه منافسون آخرون".
عامل الثقة
لا يغفل بكداش "عامل الثقة"، حيث يؤكّد أنّ "الكثير من الزبائن في الخارج يفضّلون التعامل مع دول مستقرة أمنيًا وسياسيًا، ويخشون من الاضطرابات أو إقفال المرافئ التي قد تعيق تسليم البضائع في لبنان. ولهذا يقولون: "لماذا أتعامل مع بلد قد يتوقف تصديره فجأة، بينما يمكنني العمل مع سوق آمنة ومستقرة؟".
تثبيت الاستقرار الأمني والسياسي
باختصار، يُشدّد على أن "الاقتصاد اللبناني - سواء في السياحة أو التجارة أو الصناعة - لن يتمكّن من النهوض مجددًا ما لم ننجح في تثبيت الاستقرار الأمني والسياسي ووقف السجالات والانقسامات الداخلية. فمن دون تطبيق فعلي للقرار 1701 وضمان بيئة آمنة ومستقرة، سيكون من الصعب جدًا استعادة الثقة العربية والدولية بالاقتصاد اللبناني".
وفي الختام، لا بدّ من الإشارة إلى الموقف السعودي الذي نقلته وكالة "رويترز" عن مسؤول سعودي رفيع، والذي أشار فيه إلى أن "المملكة العربية السعودية تُخطّط قريبًا لتعزيز العلاقات التجارية مع لبنان، وأن وفدًا من المملكة سيزور لبنان قريبًا لإجراء مناقشات لإزالة العقبات التي تعيق الصادرات اللبنانية إلى السعودية". هذا التطوّر يفتح باب الأمل على انتعاش الواقع الصناعي في حال تمّ فتح الأسواق السعودية أمام الصادرات اللبنانية.