المصدر: النهار
الكاتب: لينا اسماعيل
الجمعة 28 آذار 2025 08:18:51
في خطوة حاسمة، تواصل وحدات الجيش اللبناني إغلاق المعابر غير الشرعية في منطقة الهرمل الحدودية، سعيا إلى الحد من ظاهرة التهريب التي أسهمت في إشاعة الفوضى وزيادة التوترات الأمنية.
تُعدّ هذه المعابر غير الشرعية بمثابة شريان حيوي يغذي "الاقتصاد الأسود" أو "الظل" في المنطقة، وتعتمد عليها عشائر ومجموعات المحلية لضمان مصادر دخل بديلة.
ورغم الأهمية البالغة لمكافحة التهريب من منظور أمني، تبرز الأبعاد الاقتصادية المعقدة لهذه الظاهرة، ويبقى السؤال: هل يستطيع لبنان وسوريا العيش من دون "اقتصادات الظل" التي يعتمد عليها الكثيرون في معيشتهم؟
يشرح الخبير الاقتصادي والعضو في المجلس الاقتصادي والاجتماعي والبيئي في لبنان الدكتور أنيس بوذياب لـ"النهار" أن "اقتصاد التهريب المعروف أيضاً بالاقتصاد الأسود أو اقتصاد الظل، يعتمد عليه كثيرون ممن يعيشون قرب الحدود، وهو جزء كبير من نشاطات الجريمة المنظمة، فيما ينبغي أن تكون الدولة قوية ومستقلة وقادرة على ضمان تحقيق العدالة الاجتماعية، بعيداً من التشوهات الاقتصادية التي تنجم عن اقتصادات الظل".
ويؤكد أن "مطالب القضاء على التهرب والتهريب تُعدّ واحدة من أبرز القضايا التي وُضعت على الطاولة منذ عام 2007، عندما انطلق لبنان من باريس 3، ثم عام 2018 خلال مؤتمر سيدر، ثم عام 2022 حين أبرم لبنان اتفاقية مع صندوق النقد الدولي على مستوى الموظفين، وبالتالي المطلوب إحكام السيطرة على الاقتصاد غير الشرعي. علاوة على ذلك، أدرجت المنظمة المعنية بالإجراءات المالية Fatf لبنان على اللائحة الرمادية، وكانت هناك مسألتان رئيسيتان لا تُناقشان كثيراً، هما وجود السلاح غير المنظم، والتهريب عبر الحدود".
ويذكّر بأن "حجم التهرب والتهريب الجمركي والضريبي، بالإضافة إلى التهريب عبر الحدود منذ عام 2015 حتى 2019، كلّف الاقتصاد اللبناني نحو 5 مليارات دولار أميركي سنوياً، وهذا يشكل عجزاً في الميزانية يراوح بين 4 و6 مليارات دولار خلال تلك السنوات. وبينما كان حجم الناتج المحلي في تلك الفترة يبلغ 48 ملياراً، وصل إلى 55 ملياراً، ما يعني أن ما يعادل 10 في المئة من الناتج المحلي قد تضرر في اقتصاد مُثقل بهذه المعطيات المروعة للتهريب عبر الحدود".
ويضيف: "التهريب عبر الحدود الشمالية والشرقية هو الأكثر اتساعاً، خصوصا عندما كان النظام السوري السابق قائماً. كان هناك ممر مفتوح يربط سوريا بالعراق وإيران. ومن خلال هذه القنوات، تم تهريب الكبتاغون وغيرها إلى الخليج العربي، هذه الحقائق تعكس الأثمان الاقتصادية الكبيرة التي دفعها لبنان وأدت إلى توقف الصادرات والتعاون معه، ما كبّد الاقتصاد اللبناني خسائر تصل إلى 15% في الميزان التجاري و3% في الناتج المحلي. وتُعتبر هذه الأرقام الكبيرة جوهر المشكلة التي تؤثر بعمق في الاقتصاد اللبناني".
ويشير إلى أن "التهريب بين البلدين مستمر منذ زمن طويل، لكنه زاد كثيرا عندما ضعفت سلطة الدولة. الجميع يدرك أنه قبل 9 كانون الثاني/يناير 2025، كانت الدولة في حالة من الانهيار التام، وانعدم احترامها ووجودها. ولكن اليوم، نرى أن الدولة بدأت تستعيد قوتها وهيبتها، وهذا واضح عند الحدود. الاشتباكات الحالية لها أبعاد سياسية، لكنها أيضًا تظهر أن الدولة تعود لتفرض نفسها، ما أدى إلى تراجع التهريب والعصابات المسلحة".
ويوضح أن "الاقتصاد الأسود في لبنان شهد نمواً ملحوظاً مترافقاً مع نشاط التهريب، حتى أصبح يشكل أكثر من نصف التركيبة الاقتصادية للبلاد. ومن تأثيراته السلبية أنه يحرم خزينة الدولة عائدات مهمة، مثل الضرائب، ما يُضعف قدرتها على تمويل الخدمات العامة. كما يحد من قدرة الاقتصاد الشرعي على التنافس، بما يؤدي إلى تراجع حصته مقارنة بالاقتصاد غير الشرعي. لذلك، يتجلى بوضوح أن خزينة الدولة تعاني انخفاضا مستمرا في الإيرادات ينعكس سلباً على قدرتها الإنفاقية".
ويرى أن "التهريب يحمل في طياته مخاطر متعددة الأبعاد، تتجلى في جوانب أمنية وسياسية واقتصادية واجتماعية. بالإضافة إلى ذلك، يدرك الجميع أنه بين عامي 2020 و2022، تم دعم سلع وخدمات بلغت تكلفته 12 إلى 13 مليار دولار، ونال لبنان نحو 40% فقط من هذا الدعم. أما المبلغ المتبقي، والذي يراوح بين 6 و8 مليارات دولار، فقد تم تهريبه ليس فقط إلى سوريا، بل إلى أماكن أبعد من ذلك. وهنا تتضح الخسارة المزدوجة، إذ لم يتم استثمار هذا الاحتياط في شكل سليم، بل استُغلّ بطريقة غير مناسبة، واستفادت منه فئة ضيقة من الناس، بينما نال أكثر المهربين نصيب الأسد من هذه الفوائد. لذا، نتوقع تصاعداً في الاشتباكات بين القوى التي تعتمد على التهريب وتستمد منه مواردها المالية، والقوى الشرعية التي تسعى إلى تنظيم اقتصادها، حيث باتت المخاطر الاقتصادية تتعاظم، والحجم الحالي لهذا الاقتصاد صار هائلاً، ويشكل نحو 25% من الناتج المحلي، بعدما كان لا يتجاوز 10% قبل عام 2019. من هنا، يتوجب أن تكون حماية الاقتصاد اللبناني أولوية، وهذا لا يتحقق إلا بتحديث القوى الجمركية والأمنية، وضمان وجود قضاء مستقل".