المصدر: النهار
الكاتب: نبيل بو منصف
الأربعاء 18 كانون الاول 2024 13:38:40
لم يترك "حزب الله" حداً أدنى من فسحة للمراهنين عبثاً على تخليه عن ثقافة عدمية هي ثقافة الإنكار والتخشب عند مفاهيمه الدعائية والسياسية حتى لو أصيب بشرياً وهرمياً وتسلحاً وقيادياً بأعتى زلزال منذ نشأته، وها هو بمجمل خطابه لا يزال يقف عند سرديته المنافية لجوهر الالتزامات العلنية الرسمية الموثقة في اتفاق وقف الأعمال العدائية بين لبنان وإسرائيل. لا يقف الأمر في معضلة الإنكار عند هذا المفترق المفصلي وحده بل يتسع لكل واقع الحزب وعلاقاته بطائفته وبيئته الخارجتين من أسوأ ما أصاب فئة لبنانية في زلازل الحروب.
ولكننا لسنا في مقاربة هذه الناحية الآن على أمل أن تصدق مؤشرات أولية يقال إنها ناهدة إلى إقامة أولى نواة تغييرات جذرية مناهضة لواقع استرهان الشيعة في لبنان على يد الحزب منذ عقود. ما نقاربه هنا يتصل بإمعان لا يصدّق للحزب على حصر تفسيره وسرديته لاتفاق عقد مع "دولة إسرائيل"، التي اعترف بها ضمناً للمرة الثانية بعد اتفاق ترسيم الحدود البحرية معها، بجنوبي الليطاني فقط بما يوحيه من تصميمه على المضيّ في الإنكار إلى ذراه بعد كلّ هذا المآل الكارثي الذي أصابه وكأنه واثق من قدرته على البقاء متفلتاً من التزامات نزع سلاحه بالكامل في شمالي الليطاني مراهناً ربما على تراخي الشركاء "الآخرين" في السلطة والبلد كله. هذا الاتفاق ليس شبيهاً بأيّ من الاتفاقات التي أثارت وتثير تفسيرات على هوى كلّ طرف لبناني، بما فيها الطائف نفسه، لأن نصّه قاطع في وضوحه لجهة تبنّي القرارات الدولية كافة التي تلزم الجانب اللبناني بنزع السلاح غير الشرعي لكلّ المجموعات المسلحة وأولاها "حزب الله" في كل لبنان.
ولكن التوجّه إلى "حزب الله" الذي كان ولا يزال فعلاً عبثياً، لا يعني السكوت عن التوجّه إلى فئتين حصريتين من المعنيين اللبنانيين بمسار تجنيب لبنان إهمال تفجر هذه القنبلة الموقوتة في وقت ما بعدما ظن اللبنانيون أن كل ما يمت إلى الحرب الإسرائيلية التي استدرجها "حزب الله" على لبنان قد ولى وطويت الصفحة هكذا بكلّ بساطة. التوجّه الأول يعني المسؤولين الرسميين جميعاً الذين فاوضوا ووافقوا وأبرموا الاتفاق وضعوا تواقيعهم الرسمية عليه بحيث يتعيّن عليهم وضع حدّ حاسم علني لمزاعم الحزب في تنصّله من موجبات نزع السلاح في شمالي الليطاني. وهذه مسؤولية لا مهرب منها أمام المجتمع الدولي كما في الواقع الوطني الناشئ بعد حرب مدمرة تسبّب بها الحزب للبنان. أما الفئة الثانية المعنية بهذا الأمر المصيري فتشمل حصراً المرشحين لرئاسة الجمهورية قاطبة، ولا سيما منهم قائد الجيش الذي يبدو واضحاً أن أسهمه ترتفع باطراد كلما اقتربنا من التاسع من كانون الثاني. لا ندري ولا شأن لنا بالطريقة التعبيرية التي يختارها أيّ مرشح لإطلاع اللبنانيين والمجتمع الدولي على توجّهاته، علماً بأن العلنية البسيطة هي أكثر الوسائل فعالية وشفافية. ما يعني اللبنانيين أن من سينتخب رئيساً للجمهورية للسنوات الست المقبلة يتعيّن عليه الدخول إلى واقع لبنان الخارج من الكوارث، بأقصى الجرأة والشجاعة والشفافية في كسر استسلام الدولة للاستئثار والتبعية والتفرّد والعبث بالتزامات الدولة.. وبداية من شمالي الليطاني لا من جنوبيه!