الانتظام يعود من بوابة بعبدا

في لحظة سياسية بالغة الحساسية، حدد رئيس الجمهورية جوزاف عون بوضوح معالم المرحلة المقبلة، واضعًا الثوابت الوطنية في مواجهة الضغوط الداخلية والخارجية، ومطلقًا رسائل حازمة تعبّر عن نهج العهد وأولوياته السيادية والإصلاحية. جاء ذلك خلال استقباله وفدًا من نادي الصحافة في قصر بعبدا، حيث عرض الرئيس رؤيته لمجموعة من الملفات المفصلية، من الاستحقاقات الدستورية، إلى الأمن، فالسلاح غير الشرعي، وصولًا إلى الوضع المالي والمفاوضات الخارجية.

عون شدد منذ البداية على ضرورة إجراء الانتخابات النيابية في موعدها الدستوري، مؤكدًا أن لا مجال لأي تأجيل أو تلاعب بهذا الاستحقاق، ومذكّرًا بأن مسألة تمثيل المنتشرين تعود إلى مجلس النواب، فيما تواصل الحكومة استعداداتها التقنية والإدارية بما يلزم.

في الشأن الأمني، أوضح أن عناصر الجيش والقوى الأمنية يقومون بواجبهم الوطني بكفاءة عالية، لا سيّما في ملاحقة الشبكات الإرهابية وتفكيكها، لافتًا إلى أن انتشار الجيش يشمل كل الأراضي اللبنانية باستثناء المناطق التي لا تزال تحتلها إسرائيل جنوبًا، ما يُعيق استكمال الانتشار الكامل. وفي هذا الإطار، عبّر عون عن رفضه الصريح لدعوات التسلّح التي انتشرت مؤخرًا، واعتبرها مؤشرًا خطيرًا على فقدان الثقة بالمؤسسات، مؤكّدًا أن الجيش وحده هو الضامن الحقيقي لأمن اللبنانيين، وأنه يؤدي مهامه بتفانٍ وشجاعة.

الرئيس حذّر أيضًا من الأخبار المفبركة، والتي تهدف إلى زعزعة الاستقرار الداخلي وإثارة الذعر، مشيرًا إلى ما تردد عن دخول إرهابيين إلى القصير وطرابلس، مؤكّدًا أن التحقيقات أثبتت زيف تلك المزاعم، داعيًا الإعلام والرأي العام إلى التنبه من حملات التضليل المنظّمة.

وفي الملف الإقليمي، أوضح أن لبنان لا يزال بانتظار ردّ الموفد الأميركي توم باراك على الورقة الرسمية التي سلمها الجانب اللبناني، والتي تتضمّن مطالبة واضحة بانسحاب إسرائيل من التلال الخمس المحتلة، والالتزام التام بوقف إطلاق النار وفق القرار 1701، كما فعل لبنان منذ عام 2006. وشدد على أن أي خرق إسرائيلي لهذا الاتفاق يمثّل تهديدًا مباشرًا للاستقرار، ولن يتم التغاضي عنه.

أما في ما يتعلق بسلاح "حزب الله"، فكشف الرئيس أنه أجرى اتصالات مباشرة مع قيادة "الحزب"، وأن المفاوضات في هذا الإطار تتقدم "ولو ببطء"، وهناك تجاوب أولي مع بعض الأفكار المطروحة. وأكّد أن لا أحد يرغب في الحرب أو يتحمّل تداعياتها، وأن المطلوب هو معالجة هذا الملف بواقعية وعقلانية، ضمن إطار سيادة الدولة وضمان الاستقرار الوطني.

اقتصاديًا، تطرّق الرئيس إلى الأزمة المالية، معتبرًا أن معالجة الفجوة في القطاع المالي هي مدخل أساسي لأي خطة إنقاذ شاملة، مشيرًا إلى أن بعض المودعين تمكنوا من استعادة جزء من ودائعهم بالدولار عبر التعاميم المالية، لكن الحل الجذري يتطلب معالجات أوسع وإرادة سياسية جامعة.

وفي ختام لقائه، وجّه جوزاف عون رسالة حاسمة إلى كل من يراهن على المماطلة أو التسويات في ملف الفساد، قائلاً: طسأسير في هذا الملف حتى النهاية، شاء من شاء وأبى من أبى"، في إعلان واضح بأن العهد لن يكون شاهد زور على الفساد أو شريكًا في الصفقات.

مواقف الرئيس جاءت لتكرّس نهجًا يقوم على الصراحة، الحزم، والمسؤولية، وتؤكد أن الدولة لا تزال قادرة على إدارة التحديات بصلابة، شرط أن تحظى بثقة الناس والتفافهم حول مشروع وطني جامع، لا مساومة فيه على السيادة ولا تراجع في مواجهة الفساد.