المصدر: النهار
الكاتب: باميلا شاهين
الأربعاء 3 كانون الاول 2025 07:49:39
لم تكن زيارة عادية، ولا مجرّد لقاء عابر، وكيف لزيارة البابا لاوون الرابع عشر إلى مستشفى الصليب للأمراض العقلية والنفسية في جلّ الديب، ألا تكون إستثنائية وأكثرها إنسانية، وهو الذي بدأ كلمته ببسمة رجاءٍ وبعبارة "صباح الخير"، قائلاً: "يسعدني أن أﻟﺘﻘﻲ بكم، كانت هذه رغبتي، ﻷن ﯾﺴﻮع يسكن هنا: فيكم أنتم اﻟﻤﺮﺿﻰ، وفيكم أنتم الذين ﺗﻌﺘﻨﻮن بهم. أؤكّد لكم أنكم ﻓﻲ ﻗﻠﺒﻲ وﻓﻲ ﺻﻼﺗﻲ"؟
منذ اللحظة الأولى، طغى الطابع الإنساني على المشهد. شعر الجميع أن البابا لم يأتِ فقط ليبارك المكان، بل ليصغي، وينحني بمحبة أمام وجوه معزولة يطالُها النسيان. وما أضفى على الحدث مزيداً من الفرح كان استقبال الأطفال ينثرون عليه الورد عند دخوله وخروجه. وفي قاعة اللقاء، أصغى البابا لاوون إلى مرضى يرتّلون نشيد "أملنا" بقلوب صافية، قبل أن تهزّ كلمة لأحد المرضى مشاعره، فاقترب منه، أمسك يديه، واستمع إليه كما يستمع الأب لابنه.
أما في الخارج، فتوافدت الجموع منذ ساعات الصباح الأولى إلى الدير. جالت عدسة "النهار" بين وجوههم، وسجلت فرحهم وفخرهم بلقاء البابا.
كانت كلمة الرئيسة العامة لجمعية راهبات الصليب، الأم ماري مخلوف، من أكثر لحظات اللقاء تأثيراً. تحدّثت ببطء، وتوقّفت أكثر من مرة، وكانت علامات تعب التحضيرات الممزوج بفخر اللحظة واضحة على ملامحها. فبين كل جملة وأخرى غصّة، وتعابير وجهها قالت ما عجز لسانها عن قوله، حتّى إن كلمتها لامست قلب البابا، الذي بدا متأثّراً بخطابها.
وكان أبرز ما طلبته من البابا: "الصلاة كي تأتي الساعة التي يفرح فيها لبنان، والمؤمنون في العالم، وبنات أبونا يعقوب، بعرس إعلانه قديساً على مذابح الكنيسة، ليكون نموذجاً مشرقاً في محبة الفقراء، وشفيعاً لهم، ووجهاً أصيلاً للعيش المشترك، هو الذي استقبل المتألمين، وأنشأ لأجلهم المؤسسات، فكان، بحق، دولة في رجل، وأيقونة حية لإنسانية الإنسان، حينما قال: طائفتي لبنان والمتألمون".
البابا يستذكر مؤسّس رسالة المحبة
ولم يغب ذكر الطوباوي يعقوب عن حديث البابا لاوون الرابع عشر، إذ قال: "هذا اﻟﻤﺴﺘﺸﻔﻰ أسسه الطوباوي أﺑﻮﻧﺎ ﯾﻌﻘﻮب، رﺳﻮل اﻟﻤﺤﺒﺔ الذي لم يتعب، ونتذكّر قداسة ﺣﯿﺎته اﻟﺘﻲ تجلّت ﺑﺸﻜﻞ ﺧﺎص. وﻓﻲ ﻣحبته ﻟﻠﻔﻘﺮاء واﻟﻤﺘﺄﻟﻤﯿﻦ، ﺗﻮاﺻﻞ راهبات الصليب ﻋمله، وﯾﻘﻤﻦ بخدمةٍ ﺛﻤﯿﻨﺔ"، مضيفاً "ما نشهده في هذا المكان هو عبرة للجميع، لا بل وللبشرية جمعاء، لا يمكن ان ننسى الضعفاء ولا يمكننا أن نتصور مجتمعاً يركض بأقصى سرعة وهو متشبث بأوهام الرفاهية الزائدة، متجاهلاً حالات كثيرة من الفقر والهشاشة".
وفي هذا السياق، خصّ الراهبات بالشكر قائلاً: "للأخوات اﻟﻌﺰﯾﺰات، شكراً لكم ﻋﻠﻰ اﻟﺮﺳﺎﻟﺔ اﻟﺘﻲ تحملنها ﺑﻔﺮح وﺗﻔﺎن"، كما حمل رسالة دعم للعاملين ولطاقم المستشفى واصفاً إياهم بـ"اﻟﺴﺎﻣﺮي اﻟﺮحيم" مضيفاً: "أﺣﯿﺎﻧﺎً ﯾﻤﻜﻦ أن ينتابكم شعور بالتعب أو اﻹﺣﺒﺎط، لكن أشجعكم ﻋﻠﻰ أﻻ تفقدوا ﻓﺮح هذه اﻟﺮﺳﺎﻟﺔ، وأدعوكم إﻟﻰ أن ﺗﻀﻌﻮا داﺋﻤﺎً أﻣﺎم أعينكم اﻟﺨﯿﺮ الذي يمكنكم ﺗﺤﻘﯿقه."
هذه الزيارة، لم تُعطِ الفرح والسلام للمرضى والعاملين فحسب، بل أيقظت الآمال وأضاءت مجدداً شعلة القداسة، فهتفت قلوب المؤمنين: "ليت هذه الزيارة تمهّد لتقديس الطوباوي يعقوب الكبوشي في لبنان".