المصدر: الديار
الكاتب: شانتال عاصي
الخميس 7 تشرين الثاني 2024 02:20:34
أصبح التغير المناخي اليوم واحدًا من أكثر التحديات التي تؤثر في العالم، ومنطقة الشرق الأوسط ليست استثناء. لبنان، الذي يعاني من تزايد آثار التغير المناخي مثل ارتفاع درجات الحرارة والجفاف، يواجه اليوم تحديا أكبر بسبب الحرب المستمرة مع «إسرائيل». هذه الحرب لم تقتصر آثارها على الجانب الإنساني أو العسكري فجسب، بل انعكست أيضًا بشكل سلبي على البيئة في لبنان، مما يزيد من تعقيد الوضع البيئي في البلاد في ظل الأزمة المناخية التي نعيشها.
الطبيعة في لبنان، بما فيها من غابات وشواطئ وأنهار، قد شهدت تدهورا كبيرا في السنوات الأخيرة بسبب التغير المناخي، ويبدو أن آثار الحرب الحالية قد تعمق هذه الأزمة. من تلوث الهواء والمياه بسبب القصف، إلى تدمير النظم البيئية التي كانت تأوي العديد من الكائنات الحية، فإن البيئة اللبنانية في خطر. وبينما يحاول اللبنانيون التأقلم مع التحديات اليومية، يبقى القلق من تأثير الحرب المستمرة في قدرتهم على التعامل مع التغيرات المناخية أمرا بالغ الأهمية.
وفي ظل هذه الظروف الصعبة، يصبح من الضروري أن يتضافر الجهد المحلي والدولي لإيجاد حلول لوقف تدهور البيئة، والتركيز على استراتيجيات للتكيف مع التغير المناخي والتخفيف من أضراره. لبنان يحتاج اليوم أكثر من أي وقت مضى إلى دعم حقيقي لحماية بيئته، ليس فقط من آثار الحرب، ولكن أيضًا من تبعات التغير المناخي التي تهدد استدامته في المستقبل.
أزمة بيئية متداخلة ومعقدة
إن التغير المناخي والحرب الحالية في لبنان يشكلان أزمة بيئية متداخلة ومعقدة. ففي حين أن التغير المناخي قد جعل لبنان أكثر عرضة للظواهر الجوية المتطرفة، فإن الحرب تزيد من سوء الوضع، مما يعجل بتدهور البيئة. على سبيل المثال، مع تزايد الجفاف ونقص المياه بسبب التغير المناخي، تجد البلاد نفسها في حاجة ماسة الى المصادر المائية، بينما تساهم الحرب في تدمير ما تبقى من تلك المصادر.
تؤدي الحرب أيضا إلى نزوح آلاف المدنيين، مما يزيد من الضغط على الموارد المحدودة في مناطق أخرى من لبنان. وفي الوقت عينه، تعاني الحكومة اللبنانية من ضعف في إدارة هذه الأزمة، حيث يعجز القطاع الحكومي في كثير من الأحيان عن تقديم حلول فعالة بسبب الأوضاع السياسية والاقتصادية الصعبة.
تصدر لبنان قائمة الدول الأقل استعداداً في منطقة الشرق الأوسط وشمال أفريقيا لمواجهة تحديات تغير المناخ والتكيف مع آثاره، حيث احتل المرتبة 161 عالمياً عام 2022. ويعزو تقرير البنك الدولي الذي نشر في آذار الماضي هذا إلى ضعف البنية التحتية وهشاشة المؤسسات في البلاد.
يستكشف التقرير الآثار البعيدة لتغير المناخ على مسيرة التعافي والتنمية في لبنان، ويسلط الضوء على الحاجة إلى مواءمة الاحتياجات قصيرة الأجل مع الرؤية الطموحة للتنمية المستدامة بحلول عام 2040.
في ظل الظروف الحالية، من المتوقع أن يشهد لبنان ارتفاعا في درجات الحرارة المتوسطة بمقدار 1.7 إلى 2.2 درجة مئوية بحلول عام 2040، مقارنة بالمستويات المسجلة بين عامي 1980 و2005. بالإضافة إلى ذلك، من المتوقع أن يزيد عدد الأيام التي تتجاوز فيها درجات الحرارة 35 درجة مئوية إلى 22 إلى 25 يومًا في السنة بحلول عام 2040. وهذا من شأنه أن يؤدي إلى موجات حر أكثر تواترًا، وأحداث الطقس المتطرفة، وأنماط الأمطار والعواصف غير المتوقعة، مما يعرض جميع المدن الساحلية لخطر الفيضانات.
رغم إعلان لبنان عن أهداف مناخية طموحة لعام 2030، إلا أنه يعاني من نقص في الاستراتيجيات التنفيذية الملموسة. فلم يتم حتى الآن دمج أهداف العمل المناخي بشكل فعال في السياسات الحكومية والممارسات المؤسسية. يسلط التقرير الضوء على أهمية أربعة قطاعات حيوية - الطاقة والمياه والنقل والنفايات الصلبة - في تحقيق التعافي وزيادة قدرة لبنان على مواجهة التغيرات المناخية. ويشير التقرير إلى سيناريوهين متعارضين:
- الأول:سيناريو «الركود» الذي يفترض استمرار الوضع على حاله دون إصلاحات جوهرية.
الثاني: سيناريو «الانتعاش الاقتصادي» الذي يعتمد على تنفيذ إصلاحات مالية واقتصادية شاملة.
حرب المناخ: لبنان في مرمى النيران
تزيد الحرب من حدة أزمة تغير المناخ في لبنان، مما يخلق حلقة مفرغة من المعاناة البيئية والإنسانية. غالباً ما تدفع الحرب السكان إلى النزوح القسري، مما يزيد من الضغط على المناطق الحضرية والريفية على حد سواء. يتسبب هذا التدفق السكاني بزيادة الطلب على الموارد المحدودة كالماء والطاقة والغذاء، مما يفاقم الأزمة البيئية القائمة في لبنان. بالإضافة إلى ذلك، تساهم الحروب في تدمير الغابات والمناطق الخضراء، والتي تؤدي دوراً حيوياً في التخفيف من آثار تغير المناخ. إن فقدان هذه الغطاء الأخضر يجعل لبنان أكثر عرضة للظروف المناخية القاسية.
بالإضافة إلى ذلك، يزيد ارتفاع درجات الحرارة والجفاف من صعوبة إدارة الكوارث الطبيعية في لبنان، خاصة في ظل الأوضاع الحالية. فغياب أنظمة فعالة لإدارة الكوارث يجعل البلاد أكثر عرضة للتأثيرات المناخية المتطرفة، والتي تتفاقم بسبب الدمار الحربي. تؤثر هذه الظروف سلباً في الزراعة ومصادر المياه، مما يهدد الأمن الغذائي والصحة العامة.
هذا وتفرض الحروب ضغوطًا بيئية إضافية، مثل التلوث الناجم عن استخدام الأسلحة الثقيلة وتدمير المنشآت الصناعية. لا تضر هذه الملوثات بالبيئة فحسب، بل تطيل أيضًا وتكثف آثار تغير المناخ. إن الضرر البيئي الطويل الأمد الناجم عن الحرب، بما في ذلك تدهور التربة وتلوث الهواء وتعطيل النظم البيئية، يترك ندوبًا دائمة على المناظر الطبيعية في لبنان، مما يجعل التعافي من أزمة المناخ ومعالجتها أكثر صعوبة.
فكل هذه العوامل تخلق حلقة مفرغة حيث تتغذى تأثيرات تغير المناخ وتدمير الحرب على بعضها البعض، مما يجعل لبنان أكثر عرضة للانهيار البيئي والمجتمعي. إن الجمع بين المؤسسات الضعيفة والبنية الأساسية المتضررة والتحديات البيئية المتزايدة يجعل البلاد أقل قدرة على التعامل مع التهديدات المستقبلية، مما يسلط الضوء على الحاجة الملحة إلى تنسيق الجهود لمعالجة كل من تغير المناخ والصراع.