التحذير الفرنسي من "نهاية لبنان السياسي" تكرره باريس عند كل أزمة: من قميص كوشنير الاسود الى تشاؤم لودريان

أن يحذر وزير خارجية فرنسي سابق ومبعوث رئاسي خاص من "نهاية لبنان السياسي"، فذلك ليس تحذيراً عابراً من دولة تعدّ حاضنة للكيان اللبناني منذ نحو قرن من الزمن، خصوصا انه سبق لباريس ان اعلنته وكررته في ما مضى.

صحيح ان المبعوث الفرنسي جان ايف لودريان لم يصرح بعد انتهاء جولته السادسة على المسؤولين اللبنانيين للبحث عن مخرج لانهاء أزمة الشغور الرئاسي، وكذلك لم تصدر السفارة الفرنسية في بيروت أي بيان بعد انتهاء الزيارة، ولكن ما نُقل عن المسؤول الفرنسي بأن "لبنان السياسي سينتهي اذا بقيت الازمة على حالها ومن دون رئيس للجمهورية ولن يبقى سوى لبنان الجغرافي"، يعدّ موقفاً تشاؤمياً ولا سيما انه جاء في ختام جولة شملت كل اطياف لبنان السياسية او على الاقل كل الكتل البرلمانية الوازنة وغير الوازنة باستثناء تكتل "لبنان القوي" الذي اعتذر رئيسه النائب جبران باسيل لـ"وجوده خارج البلاد".

ثم إن عدم صدور نفي رسمي لكلام لودريان يعزز صدقية ما نُقل عنه لجهة تشاؤمه بمستقبل لبنان السياسي.

ليست المرة الاولى يعلن مسؤول فرنسي تشاؤمه بمستقبل لبنان خلال الازمات السياسية او الاقتصادية التي مر بها. فلودريان لم يستخدم ذلك التعبير المتشائم فقط خلال زيارته الاخيرة وانما كرره في اكثر من مناسبة "تيمناً" بما كان يعلنه رئيسه ايمانويل ماكرون خلال زيارتيه للبنان خلال شهر آب من العام 2020 بعد الانفجار الكارثي في مرفأ بيروت وتحويل العاصمة الى مدينة منكوبة. فالرئيس الفرنسي حذر حينها من عدم التعاطي بجدية مع الازمات في البلاد ووصل الى حد تحديد مهلة 15 يوماً لتأليف حكومة جديدة بعد تكليف السفير مصطفى اديب، ولكن مضى الاسبوعان ولم ينجح الرئيس المكلف بمهمته فقدم اعتذاره بعد 28 يوماً من التشاور مع الكتل البرلمانية.

اما لودريان ومنذ قرابة العام، وتحديداً في تموز الفائت، فقد ترافقت زياراته اللبنانية مع التلويح بعقوبات ضد الطبقة السياسية اللبنانية، ولم يكن ذلك التلويح الاول من نوعه إذ سبقه تحذير مماثل على لسان اكثر من مسؤول فرنسي في مقدمهم الرئيس ماكرون.

بعد اقل من شهرين على التلويح بالعقوبات عاود لودريان التحذير من مغبة عدم انتخاب رئيس للجمهورية، وتحدث في ايلول الفائت عن عقوبات على معرقلي انتخاب الرئيس وكذلك هدد بوقف المساعدات الى لبنان. وفي مقابلة مع صحيفة "لوريان لو جور" في 26 ايلول قال: "إن التوقعات الحيوية للبنان أصبحت في خطر، واللاعبون السياسيون، الذي يتحملون المسؤولية، ما زالوا في حالة إنكار. لم يعد هناك رئيس للجمهورية منذ عام (...)".

"قميص كوشنير الاسود"

تلك التحذيرات كانت تتكرر بعد كل زيارة فرنسية خلال فترة الشغور الرئاسي، وفي المناسبة فإن التحذير الفرنسي خلال الفراغ في سدة الرئاسة ليس جديداً، ومن الامثلة على ذلك ما اعلنه وزير الخارجية السابق برنار كوشنير عشية عيد الاستقلال في العام 2007 وحينها كانت ولاية الرئيس السابق اميل لحود على وشك الانتهاء، إذ رفع كوشنير يده ملوحاً بأصبعين في اشارة الى اليومين المتبقين من الولاية الرئاسية وحذر من ان امام اللبنانيين يومين قبل الفراغ في سدة الرئاسة والذهاب الى ازمة سياسية. وتبقى صورة التشاؤم الاكثر تعبيراً لكوشنير لدى مغادرته بيروت في 7 كانون الاول من ذلك العام بقميص اسود ومن دون ربطة عنقش، وفسرت حينها على فقدان رأس الديبلوماسية الفرنسية الثقة بالطبقة السياسية بسبب الاخفاق في انتخاب رئيس للجمهورية خلفاً للحود.

اذاً ليست المرة الأولى التي يستخدم فيها مسؤول الفرنسي لغة التشاؤم بشأن مستقبل لبنان السياسي. واذا كان التشاؤم الفرنسي مفهوماً لانه يطرق باباً موجعاً من خلال تغييب الرئيس المسيحي العربي الوحيد عن المشهد السياسي بما يعنيه ذلك للبنان ولفرنسا، الا ان هناك ازمات مماثلة في تعقيداتها لازمة الشغور الرئاسي كأزمة النزوح السوري التي تهدد ديموغرافية لبنان وتنوعه بشكل جدي ولم يعد في الامكان القفز فوقها، وهذا التهديد الديموغرافي هو اكثر خطورة من تهديد مستقبل لبنان السياسي او على الاقل يوازيه في الخطورة، مع تمايز أن الازمة السياسية الداخلية يمكن التوصل الى حلول لها من خلال ترتيبات وتنازلات متبادلة بين الافرقاء السياسيين، الا ان ازمة التغيير الديموغرافي لن يكون في الامكان ايجاد حل لها، وبالتالي يعتقد البعض ان على فرنسا المسارعة الى انقاذ لبنان من ازمة النزوح السوري وتداعياته قبل او على الاقل في موازاة مساعيها لانهاء الشغور في سدة الرئاسة. فالامران يهددان مستقبل لبنان، وهذا ما لا تريده باريس.