"التحييد" في البيان الوزاري إنصاف لـ "حياد" الراعي

نجحت حكومة الرئيس نواف سلام في اجتياز قطوع البيان الوزاري، وتخطت عبارة "مقاومة" التي كانت تُغلّف في البيانات الوزارية السابقة بحق الشعب في المقاومة. ويأمل الشعب في انطلاق عمل الحكومة وتصفير المشاكل السياسية التي هي أساس المشكلة الاقتصادية وكل مشاكل لبنان.

تتزايد آمال اللبنانيين بتذليل العقبات السياسية، وتُعلّق آمال كبيرة على عهد الرئيس جوزاف عون وحكومة الرئيس نواف سلام، الذي يعتبر إنجازاً لبنانياً حقيقياً، بعد التحرّر من النفوذ الإيراني وسقوط نظام بشار الأسد.

وعلى الرغم من الرهانات الكبيرة، يبقى الحذر واجباً، لأن محور "الممانعة" لن يقبل التسليم بهزيمته بسهولة.

في تموز 2020، وخلال احتفال لبنان بمئويته الأولى على وقع التهديدات والانهيار الذي ضرب عمق الدولة وهدّد مصيرها، طرح البطريرك الماروني الكاردينال مار بشارة بطرس الراعي الحياد، لتجنيب لبنان الأزمات والحروب، محرّكاً بذلك الركود السياسي ومحدثاً عاصفة من التعليقات المؤيدة والمناهضة، واستتبع كلامه الأولي بإطلاق "مذكرة لبنان والحياد الناشط" في 17 آب 2020، وطالب بتدويل الأزمة اللبنانية من خلال عقد مؤتمر دولي لإنقاذ لبنان.

يومها، شُنّت على البطريرك الراعي حملات تخوين، وصلت إلى حدّ اتهامه بالصهينة وخدمة مصالح إسرائيل. في المقابل حظي طرحه بتأييد لبناني وعربي واسع.

المعارض الأول لطرح البطريرك كان "حزب اللّه"، وقد مرّت العلاقات بين الراعي و "الحزب" بفترة قطيعة، وأصرَّ البطريرك على الفكرة.

انخرط "حزب اللّه" بسياسة وحدة الساحات، ودخل حرب "الإسناد" التي أدّت إلى اغتيال أمينه العام السيد حسن نصرالله، وقيادات الصفّ الأول ومعظم كوادره، ودفع لبنان الثمن الأكبر دماراً وخراباً وتهجيراً.

سعى البطريرك الراعي منذ عام 2022 إلى الدفع في اتجاه انتخاب رئيس للجمهورية ووضع حدّ للفراغ، وكلّف راعي أبرشية أنطلياس المارونية المطران أنطوان بو نجم القيام بجولة على الفاعليات وجوجلة الأسماء المرشحة، وكانت بكركي تردّد دائماً، أن على رأس لائحتها للمرشحين الرئاسيين، اسم قائد الجيش آنذاك العماد جوزاف عون، والذي خاض البطريرك معركة التمديد له في القيادة عامي 2023 و2024.

انتخب عون رئيساً، وقام بزيارة البطريرك فور انتخابه، ولأن الرئيس الجديد انتخب بغطاء مسيحي كبير من الأحزاب السيادية والمعارضة وبكركي، فقد تمّ إنصاف "سيّد الصرح"، ليس فقط بسبب العلاقة الشخصية التي تربط الرئيس بالبطريرك، بل لأن ما طرحه الراعي هو الدواء لمعظم أزمات لبنان.

في وقت كان الراعي يفتتح أعمال مجمع بطاركة وأساقفة الشرق الكاثوليك في حريصا، أقرّت الحكومة البيان الوزاري، الذي تضمّن فقرة تتحدث عن أن نهوض الدولة التي يريدها اللبنانيون واللبنانيات ونريدها، يتطلّب اعتماد سياسة خارجية تعمل على تحييد لبنان عن صراعات المحاور، ما يساهم في استعادته موقعه الدولي ورصيده العربي، وحشد دعم العواصم الشقيقة والصديقة والمنظمات العربية والدولية، مع الحرص على عدم استعمال لبنان منصة للتهجّم على الدول العربية الشقيقة والصديقة.

أهمية هذه الفقرة، أنها أُقرّت بإجماع الحكومة ومن ضمنها وزراء "حزب اللّه" وحركة "أمل"، والإقرار بالواقع الجديد، يأتي نتيجة الهزيمة التي لحقت بـ "الحزب" والدمار الذي استُجلب على لبنان. 

تعبّر بكركي عن رضاها عن هذا الأمر، وتعتبر أن الأهمّ هو التطبيق، فلو طُبق ما طالب به البطريرك من حياد للبنان لكان البلد تجنّب الحرب ولم يُهجّر أهل الجنوب وتدمّر قراهم ويسقط الآلاف من أبنائنا.

تراهن بكركي على العهد الجديد لفرض عودة الدولة، لأن الدولة وحدها تنصف جميع أبنائها. لذلك يجب تطبيق البيان الوزاري من ناحية جمع السلاح وحصره بيد الدولة وتطبيق "اتفاق الطائف" والقرارات الدولية، لأن المظلة العربية والدولية هي التي تحمي لبنان، ولا خلاف على مصطلح حياد أو تحييد بل الأساس العمل وفق مقتضياته.