المصدر: المدن
الكاتب: وليد حسين
الأربعاء 3 أيار 2023 15:33:26
لم يحسم أمر إجراء الامتحانات الرسمية للشهادة المتوسطة بعد، بخلاف امتحانات الشهادة الثانوية. فوزارة التربية تخلت عن البروفيه فيما هي عازمة على إجراء امتحانات الشهادة الثانوية، رغم أن هناك نحو سبع ثانويات ما زالت مقفلة منذ مطلع العام الدراسي، ولم يتعلم فيها الطلاب أي حرف بعد.
في انتظار لجنة التربية
مصادر مطلعة أكدت لـ"المدن"، أن مدير عام التربية بالتكليف عماد الأشقر، ويسانده وزير التربية عباس الحلبي، يعمل على إقناع نواب لجنة التربية النيابية لإصدار توصية بعقد جلسة تشريعية للمجلس النيابي ليصار إلى إلغاء امتحانات الشهادة المتوسطة. غير ذلك تكون وزارة التربية ملزمة بإجراء الامتحان في حال تأمن التمويل له.
النائب في لجنة التربية النيابية بلال الحشيمي أكد لـ"المدن"، أن موضوع إلغاء الامتحانات لم يحسم بعد. وسيصار إلى عقد جلسة للجنة التربية، إما غداً الخميس أو يوم الثلاثاء المقبل. وسيصار إلى استدعاء وزير التربية عباس الحلبي والمدير العام عماد الأشقر ورئيسة دائرة الامتحانات أمل شعبان، للوقوف عند رأيهم قبل اتخاذ أي قرار. بعدها يصار إلى العمل لتأمين نصاب جلسة تشريعية في هذا الشأن.
الاعتماد على العلامات المدرسية
قضية إجراء امتحانات الشهادة المتوسطة من عدمها، تعود إلى الواجهة مجدداً، أسوة بالسنتين الفائتتين. فثمة توجه عند مدير عام التربية بأن يصار إلى استبدال الامتحان بالعلامات المدرسية لهذا العام، ومنح جميع الطلاب الإفادات. فقد سبق ووعد أصحاب المدارس الخاصة بإلغاء هذه الامتحانات. في المقابل، يحذر مسؤولون في الوزارة من مغبة هذا الإجراء. فمنح الإفادات يعني السماح لعشرات "المدارس الدكاكين" ببيع الشهادة المتوسطة للراغبين، خصوصاً أن عدداً كبيراً من الموظفين والعسكريين تسجلوا في مدارس خاصة للحصول على الإفادات، كما أكدت مصادر مطلعة.
وتضيف المصادر أن الإجراء البديل الذي يفكر به الأشقر هو اعتماد العلامات المدرسية كجزء من علامات الامتحانات الرسمية، في حال لم يتأمن نصاب الجلسة التشريعية في المجلس النيابي لإلغاء الامتحانات. هذا رغم أن الوزير الحلبي نفسه ألغى العلامات المدرسية، نظراً للتلاعب الذي قامت بها العديد من المدارس في رفع علامات طلابها.
تتعامل وزارة التربية مع ملف الامتحانات الرسمية بمنطق مقلوب. فهي تصرّ على إجراء الامتحان للشهادة الثانوية والتخلي عن امتحان الشهادة المتوسطة، رغم أن طلاب مرحلة التعليم الأساسي عادوا إلى الصفوف منذ بداية شهر آذار بعد فك رابطة التعليم الأساسي الإضراب، بينما طلاب الثانوي عادوا إلى التعليم يوم أمس الثلاثاء، بسبب امتناع الأساتذة عن التعليم. ما يعني عدم وجود عدالة بين طلاب الثانوي في القطاع الرسمي والخاص.
ليس هذا فحسب، بل إن عدد الأساتذة الممتنعين عن التعليم في الثانويات ما زال أكثر من 600 أستاذ في مختلف المناطق. والأسوأ من ذلك أن هناك نحو سبع ثانويات ما زالت مقفلة منذ مطلع العام الدراسي، وتحديداً في محافظتي الشمال. وقد سبق وتطرقت "المدن" إلى وجود 22 ثانوية مقفلة في لبنان ولم يتعلم فيها الطلاب، وتمكن وزارة التربية من إعادة جزء من الأساتذة الممتنعين فيها إلى التعليم واستعانت بمتعاقدين لإعادة فتح الصفوف، منذ يوم أمس الثلاثاء. لكن ما زال هناك سبع ثانويات مقفلة بشكل تام، نظراً لامتناع الهيئة التعليمة عن تعليم الطلاب.
الجمعيات والدروس الخصوصية
ورغم أن هناك ما لا يقل عن 400 طالب في صف الثالث ثانوي لم يتعلموا أي شيء منذ مطلع العام الدراسي، تصر وزارة التربية على الامتحانات الرسمية. وهذا ما دفع بعدد كبير من أهالي الطلاب إلى الاستعانة بأساتذة لتعليم أولادهم دروساً خصوصية، كما حصل تماماً في الامتحانات الرسمية للعام الماضي. ووفق ما يؤكد أهالي طلاب، معدل كلفة الساعة للدروس الخصوصية هو نحو 500 ألف ليرة، لكنها تضمن استعداد أولادهم للامتحان، طالما أن الثانويات كانت مقفلة أمامهم. ففي الفترة السابقة كان الأهل ينفقون ما لا يقل عن 300 ألف ليرة بدل نقل على أولادهم من دون تلقي أي علم في الثانويات التي كانت تفتح أبوابها. ذلك أن الأساتذة الذين فكوا الإضراب، تماشياً مع قرار رابطة الثانوي، لم يعلموا الطلاب المواد الأساسية، نظراً لعددهم الضئيل، وكي لا يعيدوا الدروس مجدداً عندما يعود باقي زملائهم والطلاب أيضاً إلى الصفوف. ما دفع الأهالي إلى عدم إرسال أولادهم إلى تلك الثانويات، والاستعانة بجمعيات تساعد الطلاب في الدرس، وبأساتذة خصوصيين.
طلاب بلا علم منذ ثلاث سنوات
حصرت وزارة التربية القضية التربوية بكيفية إعادة الأساتذة الممتنعين إلى الصفوف لإجراء الامتحانات الرسمية، متجاهلة الانعكاسات السلبية لانقطاع طلاب المدارس الرسمية عن التعليم المنتظم منذ ثلاث سنوات، أي عقب تفشي وباء كورونا بداية، والانهيار المالي لاحقاً. فحالياً، يقتصر التعليم في الثانويات، التي عاد إليها الأساتذة، على صف الشهادة الرسمية. وبمعزل عن أن هناك استحالة بتعويض ما فات هؤلاء الطلاب من دروس، بعد انقطاع عن التعليم لمدة أربعة أشهر، يبقى مصير طلاب باقي الصفوف، أي الأول والثاني ثانوي مجهولاً. فجل ما بدر عن وزارة التربية منذ ثلاث سنوات هو تخفيض المناهج لتسهيل الامتحانات الرسمية، إلى درجة لم يعد هناك من شيء لتخفيضه، يقول أساتذة وتربويون يعلّمون ويديرون مدارس رسمية منذ عشرات السنوات.
ويشرح هؤلاء لـ"المدن"، الكارثة الحقيقية التي سيعاني منها الجيل الجديد بعد اضمحلال التعليم الرسمي. ففي العام الدراسي الفائت، وبسبب الإضرابات، جرى التركيز على تعليم طلاب صفوف الشهادات، مثل العام الحالي. لكن تسنى لباقي الطلاب التعليم نحو شهرين في الفصل الدراسي الثاني بكل الأحوال. وكانت الامتحانات المدرسية شكلية لترفيع الطلاب نظراً للأزمة المتفاقمة في القطاع الرسمي. ما يعني أن من رفِّع إلى صف الثالث ثانوي يفتقر إلى المهارات المطلوبة والأساسية في الصف الثاني ثانوي. وكان يفترض أن تُجرى لهؤلاء الطلاب دورات تقوية لتعويض ما فاتهم من كفايات. لكن ما حصل أن وزارة التربية لم تعمل حتى على تعليم المناهج وفق التصورات التي وضعتها مطلع العام الدراسي. وبقاء الوضع على ما كان عليه العام الدراسي الفائت والحالي في العام الدراسي المقبل، يعني أن طلاب صف الثالث ثانوي العام المقبل يفتقرون إلى الأسس الدنيا التي تؤهلهم من متابعة تحصيلهم العلمي، لأنهم لم يتعلموا هذا العام، ولم يتعلموا كما يجب العام الفائت. حتى أن العديد من خريجي العام الدراسي الفائت دفعوا مبالغ تصل إلى نحو 400 دولار في الجامعات الخاصة، لتعويض الكفايات التي تؤهلهم الدخول إلى الجامعة.