التسوية الحكومية الفرنسية - الإيرانية التقاء وافتراق...ماذا جنى لبنان؟

في العام 2016 ابرم فريقان لبنانيان هما التيار الوطني الحر وتيار المستقبل تسوية سياسية فتحت ابواب قصر بعبدا للرئيس ميشال عون والسراي لسعد الحريري ببركة قواتية من خلال تفاهم معراب الذي حيكت بنوده على مدى عام ونصف العام. آنذاك حاول كل طرف تعويم نفسه بعدما فقد الوهج السياسي بفعل تعطيل الانتخابات الرئاسية على مدى عامين ونصف العام. استفاد الرئيس عون من دعم حزب الله الذي شكل الحجر الاساس في جلوسه على الكرسي الرئاسي فبادله بغض الطرف عن مشاريعه الايرانية في لبنان فيما سعى الرئيس الحريري الى تخفيف الوهج الايراني في بيروت وشدها نحو المملكة العربية السعودية لبيعها ورقة اعادة لبنان الى العرب، الا انه اخفق لتنتهي التسوية الى عكس ما اريد منها.

بعد خمس سنوات، واثر تعطيل تشكيل الحكومة لأكثر من عام ونيف، ولدت تسوية شبيهة في تقاطع المصالح والاهداف ومختلفة لجهة طابعها الحكومي لا الرئاسي وبقطبين خارجيين هما فرنسا وايران. فما الذي طمحت اليه الاولى وماذا ارادت الثانية؟

تقول اوساط دبلوماسية غربية لـ"المركزية" ان الفرق شاسع بين الهدفين وشتان ما بين تطلعات باريس للبنان ومطامع ايران فيه، وبمقارنة بسيطة يمكن للمتابع ان يلحظ الهوة بينهما. اذ ان الرئيس ايمانويل ماكرون الذي زار بيروت مرتين متتاليتين اثر انفجار مرفأ بيروت مبديا تعاطفا انسانيا مع الشعب، ولو انه استثمر الملف حكما في السياسة وهو على عتبة الانتخابات وفي المصالح التجارية، قدم خريطة طريق ومشروعا واضحا لانقاذ لبنان وبذل جهودا جبارة على المستويين الداخلي والخارجي، وتحديدا مع اللاعبين الاقليميين المؤثرين على المسرح السياسي اللبناني لاخراج الحكومة من شرنقة المصالح والاستثمار في بازارات المصالح الدولية والنووية، ونجح بعد حين فولدت الحكومة وفتحت ابواب الاليزيه للرئيس نجيب ميقاتي الذي عرض خطة عمله ونال البركة منطلقا نحو تحقيق الهدف الانقاذي بمواكبة ورعاية فرنسية تجلت بزيارة الموفد بيار دوكان الى بيروت حيث يعقد راهنا اجتماعات مع القوى السياسية والفاعليات الاقتصادية والمالية مطلعا على سير العمل ومدى الالتزام ببنود الورقة الفرنسية، مقدما النصح حيث يجب ومذكرا بالشروط الضرورية للحصول على المساعدات الدولية وفي مقدمها الاتفاق مع صندوق النقد الدولي وتنفيذ الاصلاحات.

في المقابل، تجنح الرغبات الايرانية في الاتجاه المعاكس. فطهران تريد من التسوية المبرمة استمرار امتلاك ورقة لبنان الى جانب سوريا والعراق واليمن لتوظيفها سياسيا في مصالحها الاقليمية والدولية وتتطلع من خلالها لتكريس نفسها لاعبا اقليميا قويا ليس بمستوى الفرنسي بل الاميركي، والقفز فوق العرب والخليجيين الذين يبدون خارج مدار التسويات في المنطقة، على الاقل من منظار طهران، وما زيارة وزير خارجيتها حسين امير عبد اللهيان لبيروت تزامنا مع وجود دوكان فيها، بما تضمنت من رسائل ومواقف سوى الانعكاس للتطلعات الايرانية هذه. فالرجل لم ينفك يكرر لازمة كسر الحصار الغربي عن لبنان في مختلف المقار الرسمية التي زارها، فيما كان نفط بلاده يوزع على فئة لبنانية حزبية وطائفية واحدة، وانصاره في حزب الله يهددون القضاء ومخدراته تغزو الدول العربية وصور قادة ايران تزين شوارع محمياته الطائفية ومدخل لبنان على طريق مطار رفيق الحريري الدولي.

بين ايران وفرنسا مصالح التقت واهداف تباعدت، جنى منها لبنان ثمرة حكومية، لكن الصراع مستمر بين محوري التبعية والسيادة فلمن تكون الغلبة؟