التعامل باستهتار مع حياة المرضى قَطعُ الكهرباء عن مستشفَيين: "الكاش" وإلا...

رَفَعَت مؤسسة كهرباء لبنان تعرفتها تماشياً مع خطة وزارة الطاقة لزيادة ساعات التغذية وتحسين شروط الجباية ومنع التعدّيات على الشبكة. وفي معرض ذلك، أنذَرَت المؤسسة بقطع التيار عن غير الملتزمين بمفاعيل الخطة الإصلاحية الجديدة.
لكن ما لم يكن في الحسبان، لجوء المؤسسة لقطع الكهرباء بشكل مفاجىء عن مستشفَيين في مدينة صور، معرِّضة حياة عدد من المرضى للخطر، لولا وجود المولِّدات الخاصة بكل مستشفى.

البحث عن الكاش
رَفَضَت شركة مقدّمي الخدمات التي تعمل في الجنوب نيابة عن مؤسسة كهرباء لبنان، تقاضي فواتير مستشفيي حيرام وجبل عامل، بواسطة شيك مصرفي، وأصرَّت على تحصيل قيمة الفواتير نقداً.
"وبشكل مفاجىء، قُطِعَت الكهرباء، وتواصلنا مع مسؤول الشركة ورضيَ بالحصول على شيك مصرفي لمرة واحدة فقط، وأصرَّ على الدفع نقداً في المرة المقبلة"، وفق ما أكّده لـ"المدن"، مدير مستشفى حيرام، سلمان عيديبي الذي أشار إلى أن "الكهرباء قُطعت بلا إنذار مسبق وبلا تنسيق معنا". وسبَقَ هذه العملية "حضور موظفين من الشركة إلى المستشفى لقبض المستحقات، قبل نحو 3 أيام، وحررنا شيك مصرفي كالعادة، لكنهم رفضوه وهدّدوا بقطع الكهرباء إن لم يُدفَع المبلغ نقداً".

تأمين قيمة الفواتير نقداً "أمر صعب"، برأي عيديبي، لأن "المستشفيات تُحصِّل الجزء الأكبر من مستحقاتها بواسطة تحويلات مصرفية، وخصوصاً تلك المتعلّقة بمؤسسات الدولة، من وزارة الصحة أو المؤسسة العسكرية أو الصندوق الوطني للضمان الاجتماعي. علماً أن الفواتير الحالية تقدَّر بنحو 50 و60 مليون ليرة شهرياً، ووفق التسعيرة الجديدة قد تصل الأرقام إلى 300 مليون ليرة، فكيف ستؤمِّنها المستشفى نقداً فيما تحصل هي على مستحقاتها بتحويلات مصرفية؟".
بالتوازي، "شغَّلَت مستشفى جبل عامل مولّدات الكهرباء لنحو 20 ساعة متواصلة بعد قطع كهرباء الدولة"، تقول مصادر في المستشفى لـ"المدن".


وجود المستشفيين في خندق واحد، لم يمنع بعض "التمايُز". فموظّفو شركة تقديم الخدمات الممثّلة لمؤسسة كهرباء لبنان قامت بـ"التحايل على مستشفى جبل عامل. فقُطِعَت الكهرباء عن المستشفى، فاتصلنا بالشركة وقالوا بوجود عطل في المستشفى، علماً أننا لم نُبَلِّغ عن أي عطل. وأرسلت الشركة فريقاً تقنياً، أصلَحَ العطل الذي لم نعلم به، ومع ذلك بقيت الكهرباء مقطوعة، ونفت الشركة قطعها للكهرباء عمداً".
بمعنى آخر، هناك عطل غير مُبَلَّغ عنه. علمت الشركة بالعطل من تلقاء نفسها. حضرت وأصلحته، ولم تأتِ الكهرباء. فماذا أصلحت؟. لم تعرف المستشفى الإجابة حتى الآن. وفي الوقت عينه، كان هناك تفاوض بين إدارة الشركة وإدارة المستشفى حول دفع الفواتير نقداً ورفض الشركة للشيك المصرفي. "وبعد قبول الشيك لمرة واحدة، أضاءت الكهرباء المستشفى بشكل طبيعي".

نفيٌ واستنكار
من جهتها، نَفَت مصادر في مؤسسة كهرباء لبنان قطع التيار عن المستشفيين. وأكّدت لـ"المدن" أن كهرباء لبنان "لم تقطع التيار يوماً عن أي مستشفى، لما لها من وضع خاص يتعلّق بسلامة المرضى". وأشارت إلى أن ما حصل في صور، لا يتعدّى السجال حول كيفية دفع الفواتير"والشركة قبلت الدفع بالشيك على أن تُدفَع المستحقات اللاحقة نقداً، بدءاً من الشهر المقبل".
وعليه، يبدو أن قرار القطع اتُخذ على مستوى شركة تقديم الخدمات من دون الرجوع إلى مؤسسة كهرباء لبنان.
نقابة المستشفيات الخاصة استنكرت ما جرى يوم أمس. ووصفت قطع التيار بأنه "إجراء غير مسؤول من قِبَل مؤسسة رسمية". وطالبت رئيس الحكومة نجيب ميقاتي ووزير الطاقة وليد فياض بـ"التدخّل لوقف هذه الممارسات فوراً وقبول الشيكات كوسيلة لتسديد فواتير كهرباء لبنان في جميع المناطق، لا سيّما أن الدولة تسدّد مستحقات المستشفيات بموجب تحويلات مصرفيّة لا يمكن تسييلها".

مرحلة جديدة تدخل حيّز التنفيذ، وهي قطع التيار عن مؤسسات تُعنى بالأمن الصحّي للمواطنين، لا لعدم دفع متوجّباتها وإنما لخلاف حول آلية دفعٍ تعتمدها مؤسسات الدولة، ومع ذلك، يرفضها أحد ممثّلي مؤسسة كهرباء لبنان. الأمر الذي يعيد طرح التساؤلات حول صلاحيات شركات مقدّمي الخدمات التي تصرّ إدارة مؤسسة كهرباء لبنان ووزارة الطاقة على الاستمرار بتسليمها تشغيل قطاع الكهرباء رغم تراجع مستوى جباية الفواتير وعدم تطويرها للقطاع منذ ما قبل العام 2019. والأصعب، أن قرارات بحجم قطع التيار عن المستشفيات، تُتَّخَذ بلا تنسيق مع إدارة كهرباء لبنان، ما يعني أن مقدّمي الخدمات أصبحوا امبراطوريات مستقلّة.