التعديات تبتلع شاطئ البترون: مخالفات غير مسبوقة على الأملاك البحرية

إلى ما قبل سنوات قليلة، كان جزء من شاطئ قضاء البترون يجتذب زواراً من كل المناطق لنظافة مياهه وتصنيفه البيولوجي المهم. وهذا، ربما، الدافع الأساس وراء هجمة غير مسبوقة للاستيلاء على هذا الشاطئ وإقفاله أمام الناس، تحت عيون «حماة الأملاك العامة» ورغم أنوفهم، من وزارة الأشغال العامة والنقل إلى وزارتَي الداخلية والبيئة والنواب والبلديات والقائمقام ومحافظ الشمال ومفرزة الشواطئ. عندما كان وزير الأشغال علي حمية يؤكد، قبل أسابيع، حقَّ أي مواطن بالوصول إلى البحر، أي بحر، من دون التعرّض له، وعلى أن يترك المعتدون ممرات إلزامية تسمح للناس بالوصول إلى الشاطئ، كان رجال أعمال ونافذون، وحتى صحافيون، يسيّجون شواطئ تحوم وكفرعبيدا وتهدر جرافاتهم في وضح النهار لبناء مخالفات قد تكون الأكبر على طول الساحل اللبناني.

أفدح هذه المخالفات تلك التي يقوم بها في منطقة تحوم، مالك شركة Azur bleu، أو بالأحرى شركة «بنك ميد» كما هو مدوّن على السجل العقاري. طالب رخصة الإنشاءات يُدعى جورج يزبك، وهو مالك للعقارات 177 و202 و203، ادّعى أن الغرض منها «ترميم وصيانة إنشاءات غير ثابتة موسمية على الأملاك البحرية»، وهو يحمل موافقة من وزارة الأشغال منذ عام 2019، وقد وافق حمية أخيراً على تجديدها قبل إحالتها إلى وزير الداخلية بسام المولوي.

مصطلح «الإنشاءات غير الثابتة» يعني عدم استخدام الباطون أو أي مادة لا يمكن إزالتها. لكن، على الأرض، عمد يزبك إلى التعدّي على الطريق العام وصبّه بالباطون، قبل أن يتجه بحراً لردم مساحة من المياه وبناء منتجع ضخم... وكلها «إنشاءات ثابتة» بـ«الباطون». وبحجة «الصيانة»، أقدم صاحب الرخصة على هدم مبنى قديم، وأعاد بناءه متوسّعاً خمسة أمتار عرضاً و15 متراً طولاً.

وللاستفادة قدر الإمكان من الرخصة وحصد أرباح على أبواب الصيف، بنى أكواخاً خشبية فوق مياه البحر، حول مسبح دائري كبير من الباطون. حصيلة هذه الأشغال، 12 تعدياً على الشاطئ وتحويله من عام إلى خاص جدّاً... وهو خاص إلى درجة أن أياً من نواب المنطقة وبلدياتها لم يلحظها، فيما غضّت وزارة الأشغال النظر عنها رغم شكاوى الأهالي ومفرزة الشواطئ وبقية الجهات المسؤولة عن قمع تعديات مماثلة. هذا كله، بدأ من خيمة متعدية أيضاً، كان يزبك «يملكها» على الشاطئ قبل عام 1994، واستفاد من قانون صدر عام 2017 لتسوية أوضاع هذه التعديات، ليقونن مخالفاته. القانون الذي يفترض أنه صدر يومها لتخفيف التعديات ورفد الخزينة بالأموال، انتهى بتشجيع المعتدين على الإمعان في المخالفة وعلى مزيد من التوسع، من دون أن يدفع هؤلاء ليرة واحدة للدولة التي لم تنفذ أي إجراء بحقهم رغم الصلاحية الممنوحة لها بالهدم فوراً.