المصدر: المدن
الكاتب: منير الربيع
الأحد 22 كانون الثاني 2023 06:43:39
يشكل اعتصام نواب التغيير داخل المجلس النيابي إلى حين انتخاب رئيس للجمهورية عنصراً جديداً مبتكراً في الحياة السياسية اللبنانية. فهو أولا يعيد الإعتبار لمفهوم العمل المجلسي أو لمفهوم العمل الإعتراضي من داخل المؤسسات. وثانيا، يقدم صورة واضحة حول أن الإعتراض لا يمكن أن يكون في المقاطعة فقط إنما بالتحفيز على تفعيل عمل المؤسسات وإبقائها مفتوحة على الرغم من التعثر القائم سياسياً. ثالثاً يعطي نموذجاً جديداً عن كيفية نقل المعركة إلى داخل البرلمان وليس فقط إدارة الإعتراض السياسي من خارجه.
ولكن، تحتاج هذه الخطوة إلى مزيد من الخطوات الأخرى المكملة والداعمة لها، لا سيما أنه لا بد من الوقوف عند آلية الردّ التي اعتمدها رئيس مجلس النواب نبيه بري. فهو دعا إلى عقد جلسة للجان النيابية المشتركة يوم الخميس المقبل بدلاً من تحديد موعد لجلسة انتخاب الرئيس، مع علمه أن النواب المعترضين كانوا قد أكدوا بقاءهم في القاعة العامة معتصمين إلى يوم الخميس المقبل موعد الجلسة الجديدة لانتخاب رئيس للجمهورية، لكن برّي سعى إلى تحويل المسار من خلال الدعوة إلى جلسة للجان المشتركة.
كرة الثلج
يدرس نواب التغيير جملة من الخيارات والخطوات التي يمكن الإقدام عليها؛ إذ لا يمكن التراجع عن هذا الموقف من دون تحقيق أي مكسب. ويمكن مراكمة المكاسب من خلال استعادة اللحمة فيما بينهم، بالإضافة إلى زيادة منسوب التنسيق مع الكتل النيابية الأخرى، خصوصاً أنهم بمجرد ان اتخذوا هذه الخطوة سارع الكثير من النواب المستقلين أو الحزبيين كنواب الكتائب والقوات اللبنانية إلى التضامن معهم داخل القاعة العامة. وهذا بإمكانه تحويل حركتهم واعتراضهم إلى كرة ثلج لن يكون بإمكان الأطراف الأخرى تجاوزها أو غض النظر عنها.
الأمر الأساسي أيضاً والذي يمكن التعويل عليه، هو حركة الشارع، والتي تفاعلت سريعاً، وإن بخجل، مع خطوة نواب التغيير من خلال النزول إلى الطرقات والإعتصام على مداخل البرلمان، وهذه يمكن تعزيزها عبر توجيه النواب أنفسهم دعوات جديدة للناس للنزول والتضامن معهم وتشكيل عناصر ضغط جديدة تشكل علامة فارقة في هذا العمل البرلماني. ففي حال استجاب المواطنون مع هذه الدعوات، فحينها تتزايد عناصر الضغط على سائر القوى السياسية، وستكون الكتل النيابية مجبرة على التعاطي بجدية مع هذا الواقع المستجد.
لذا يبدو ملحاً تعزيز هذا الواقع برؤية سياسية أو برنامج واضح، قد لا ينطلق فقط من مبدأ المطالبة بإبقاء الجلسات مفتوحة إلى حين انتخاب الرئيس، لأن ذلك متعذر دستورياً في ظل افتقاد نصاب الثلثين، ولكن أن يتم التركيز على إبقاء المجلس مفتوحاً وتجبر الكتل النيابية على الحضور للدخول في مسار سياسي أو حواري يقود إلى الإتفاق على شخصية وانتخابها.
حوار داخل القاعة العامة
صحيح أن نواب التغيير قد يعترضون على فكرة الحوار، لأنه سيعتبرون أن هذا المطلب كان مطلب بري في الأساس، والذي وجه دعوة للحوار في عين التينة سابقاً لممثلين عن الكتل. فيما هم رفضوا ذلك وطالبوا بعقد جلسة الحوار داخل البرلمان وداخل القاعة العامة. ما يمكنهم فعله حالياً هو إعادة الحوار بطريقة الفرض إلى داخل مبنى البرلمان وبين كل الكتل وكل من يحضر من النواب، على ان لا يتم الخروج من البرلمان قبل الوصول إلى اتفاق. هنا طبعاً ستتداخل عوامل كثيرة، من بينها أن اطراف السلطة أقدر على التعاطي مع الحوار من قوى التغيير، كما أن الحوار قد لا ينحصر في مسألة انتخاب الرئيس وإنما قد يتوسع ليشمل ملفات أخرى إقتصادية ومالية وحول تشكيل الحكومة وغيرها. ذلك يوجب على نواب التغيير العمل خلال وجودهم داخل البرلمان وعبر تواصلهم مع الكتل الأخرى على إعداد برنامج يتوافقون عليه ويتمكنون من خلاله بفرض المسار التحاوري الذي يريدونه.
العودة إلى الشارع
ما يجري حالياً، يوحي بأن هناك من يسعى إلى إعادة خلق أجواء مشابهة لانتفاضة النفايات في العام 2015، أو لثورة 17 تشرين في العام 2019. يمكن لفعالية حركة النواب الإعتراضية من داخل البرلمان أن تعطي زخماً أكبر لأي تحرك شعبي على الرغم من الوضع الصعب والخانق إقتصادياً، والإنهاك الذي يعاني منه الناس في ظل الإنهيار الإقتصادي والمالي.
ولكن هناك عوامل يمكنها أن تتداخل مع بعضها البعض، من تحركات أهالي ضحايا المرفأ وما تعرض له وليم نون وبيتر بو صعب وحالة التضامن التي حظيا بها شعبياً، إلى التحقيقات الأوروبية في قضايا مالية ومصرفية، بالإضافة إلى الإنهيار المسترم بسعر الليرة، كلها يمكنها أن تكون عوامل محفزة للناس للعودة إلى التحرك، وهو ما سيعطي زخما أكبر لتحرك نواب التغيير.