التلال الخمس... التحرير بسلاح الدبلوماسية

ما أعطاه "حزب الله" لإسرائيل بوحدة الساحات ومغامرات الإسناد القاتلة من تهديم واحتلال وتهجير، يسعى لبنان الدولة عبر اتصالاته الخارجية، إلى تحرير ما تبقّى من مواقع ونقاط عسكرية يحتلّها الجيش الإسرائيلي، وإخماد ما أحرقته وخرّبته بندقية الدويلة، التي لم تحمِ الجنوبيين ولا اللبنانيين، وكشفت خديعة توازن الرّدع المزعوم مع العدوّ. كما أسقطت في طريقها "نحو القدس" سردية "المقاومة" وفشلها الاستراتيجي في صون لبنان وردّ العدوان.

ومع ارتفاع وتيرة المواقف الإسرائيلية ومواصلة استهدافاتها للمنازل والبنى التحتية جنوباً، تتذرّع تلّ أبيب، ببقاء قوّاتها في بعض التلال الجنوبية، بأن "حزب الله" لم يفِ بالتزاماته، وبأنه لا يزال يُشكّل تهديداً لأمن سكّانها الشماليين. واللافت في هذا الإطار، أنه عشية إعلان نيتها البقاء في مواقع عسكرية موزّعة على طول الشريط الحدودي، أشارت وسائل إعلام عبرية، إلى أنّ "الحزب"، أطلق 5 مسيّرات باتجاه أراضيها منذ إعلان وقف النار، في حين أنّ الأخير لم يتبنَّ إرسال أي مسيّرة خلال تلك الفترة. وتتحجّج إسرائيل في تأجيل انسحابها إلى رصدها محاولات عدّة لـ "حزب الله" لتحريك أسلحة بين جنوب الليطاني وشماله، كان آخرها ما حصل في الوردانية، حيث لاحقت مسيّرة إسرائيلية، شاحنة محمّلة بصواريخ متوسّطة المدى، كان ينقلها "الحزب" عبر صهريج للمياه، قبل توقيفها ومصادرتها من قِبَل الجيش اللبناني.

بالعودة إلى المراكز الخمسة كما باتت معروفة، هي: تلّة العويضة الواقعة بين كفركلا والعديسة وتبعد 1 كلم عن الحدود، وتُعدّ الأعلى في القطاعين الشرقي والأوسط (820 متراً عن سطح البحر) وتمنح إسرائيل مدى رؤية يصل إلى النبطية، كما تشرف على سهل الخيام وأودية السلوقي ووادي الحجير، وتقابلها من الناحية الإسرائيلية مستوطنات عدّة، أبرزها المنارة ومسكاف عام وكفرجلعادي. في هذا السياق، ووفق مؤشّرات ميدانية، يبدو أن الجيش الإسرائيلي يستغلّ بعض الأنفاق (التي حفرها "حزب الله" سابقاً) ولم يفجّرها لدى احتلاله المنطقة، بهدف تأمين وصول قوّاته إلى العويضة أو المراكز التي يتحصّن داخلها، ومن غير المستبعد أنّ الإسرائيلي يعتمد على تلك الأنفاق في أكثر من جبهة للتسلّل والتوغّل والخروج.

تلّة الحمامص المشهورة، تقع جنوب مدينة الخيام على ارتفاع يقارب 900 متر، وتَبعد عن الحدود أقلّ من كلم، وتطل مباشرة على مستوطنات الشمال وبالأخص المطلة، التي ترتفع حوالى 520 متراً، الأمر الذي جعلها على مدى عقود موضع اشتباكات عسكرية. والأهمية الثانية بالنسبة لإسرائيل، هي أنّ الحمامص تُشرف على الخيام، وفي حال اندلاع المعارك أو الحرب مجدّداً، تُسهّل (كما العويضة) على قوّاتها التقدم باتجاه الخط الواصل بين مرجعيون والقليعة وبرج الملوك وصولاً إلى الخردلي، وبالتالي نحو العمق اللبناني. هذا وكثّف الجيش الإسرائيلي في الآونة الأخيرة أشغاله في التلّة، حيث استحدث دشماً وسواتر وإنشاءات.

تلّة العزية (تبعد 2 كلم عن الحدود)، تكتسب أهميتها من حيث الموقع الاستراتيجي المطلّ على مساحات شاسعة من قرى وبلدات القطاع الشرقي لا سيما دير ميماس وتتصل عبر كفركلا بحدود إسرائيل وتسمح لقوّاتها بإتمام مهام المراقبة.

أمّا النقطتان المتبقيتان فتقعان في القطاعين الأوسط والغربي، إذ تُبقي إسرائيل على احتلالها لتلّة اللبّونة (تبعد 300 متر عن الحدود) وهي مطلّة شمالاً على مدينة صور ومخيم البص للاجئين الفلسطينيين، وتشرف على مسرح عمل قوّات "اليونيفيل"، إضافة إلى تلة جبل بلاط (1 كلم عن الخطّ الأزرق) وتقع عند أطراف بلدة مروحين، وتسمح لها أن تتحرك بسهولة لتنفيذ أي اعتداء أو خرق في لبنان.

ختاماً، إذا كانت حكومة نتنياهو ترفض للمرّة الثانية، الالتزام بوقف إطلاق النار وتنفيذ انسحابها الكامل من الجنوب اليوم من جهة، وتحميل الشيخ نعيم قاسم الحكومة اللبنانية، مسؤولية العمل على تحقيق زوال الاحتلال الذي تسبّب به محوره من جهة أخرى، تبقى الجهود والاتصالات الدبلوماسية التي يقودها رئيس الجمهورية العماد جوزاف عون تجاه عواصم القرار، لا سيّما واشنطن وباريس، أفضل بكثير من المسارات الحربيّة التدميريّة.