التهديد الإيراني بحتميّة الردّ على إسرائيل... محاولة لاستعادة الردع والتفاوض مع الغرب

منذ الخميس، تغيرت النبرة الإيرانية حيال الضربات الإسرائيلية التي استهدفت إيران في 26 تشرين الأول الفائت. وقطع المسؤولون الإيرانيون على مختلف مستوياتهم، وصولاً إلى مرشد الجمهورية الإسلامية علي خامنئي، بحتمية الرد على إسرائيل... وعلى أميركا أيضاً.

في الأيام التي تلت الضربات الإسرائيلية، قللت الحكومة الإيرانية من  أهميتها ومن حجم الضرر الذي لحق بالمواقع المستهدفة. هذا الأمر أوحى بأن إيران قد لا تعمد إلى الرد وتعتبر الأمر منتهياً عند هذا الحد، على الأقل في انتظار الانتخابات الرئاسية الأميركية التي ستجرى غداً.

ما الذي تغير حتى سارع القادة الإيرانيون إلى تعهّد الرد بضربة أقوى من تلك التي وجهتها إيران لإسرائيل في الأول من تشرين الأول؟

المتغير الأول، يكمن في أن الضربات الإسرائيلية التي أتت بالتنسيق مع الولايات المتحدة، هي الأولى التي تتبناها تل أبيب علناً ضد إيران، ما أخرج "حرب الظل" الدائرة بين الجانبين منذ أكثر من عقد ونصف عقد إلى العلن. وثانياً، عدم الرد سيعني أن إسرائيل قد استعادت عامل الردع ضد إيران، بما يشجع رئيس الوزراء الإسرائيلي بنيامين نتنياهو على استتباع ما سماه "الضربة الافتتاحية" بضربات أخرى، ما دامت إسرائيل تؤكد أنها تمكنت من تدمير الدفاعات الجوية الإيرانية المتمثلة بصواريخ "إس-300" الروسية الصنع. ولا يخفي المسؤولون الإسرائيليون ميلهم إلى توجيه ضربة استراتيجية لإيران، من طريق تدمير منشآتها النفطية وحتى النووية، لكن الضغط الأميركي الذي مارسه الرئيس جو بايدن حال دون ذلك، على أمل أن تنتهي "دوامة الضربات المتبادلة" من دون تورط الولايات المتحدة في نزاع شرق أوسطي آخر قبيل الانتخابات الرئاسية، بما ينعكس سلباً على حظوظ المرشحة الديموقراطية كامالا هاريس، ويعزز فرص المرشح الجمهوري دونالد ترامب بالفوز.   

وهذا على الأرجح سبب إعلان البنتاغون ليل الجمعة - السبت، أن وزير الدفاع لويد أوستن أمر بنشر طائرات مقاتلة ومدمرات دفاع صاروخي بالستي وقاذفات بعيدة المدى من طراز "بي – 52" للمساعدة في الدفاع عن إسرائيل والمصالح الأميركية الأخرى في المنطقة. ومدد البنتاغون في أواخر أيلول الماضي، نشْرَ مجموعة حاملة طائرات ضاربة في المنطقة لردع الهجمات الإيرانية، وإسقاط أي صواريخ بالستية قد تطلق على إسرائيل.

تؤكد هذه التطورات، علاوة على التحذيرات الإسرائيلية من الذهاب هذه المرة إلى رد أبعد بكثير مما جرى في 26 تشرين الأول، وإعلان المسؤولين الأميركيين أن واشنطن لن يكون في إمكانها هذه المرة ضبط الهجمات الإسرائيلية ضمن حدود معقولة ومدروسة، أنّ الشرق الأوسط مفتوح على حلقة جديدة من حلقات التصعيد الذي قد يفضي إلى مشاركة أميركية فعلية، سواء في صدّ الهجوم الإيراني المحتمل، أم حتى في مساعدة إسرائيل إذا ما قررت ضرب المنشآت النووية الإيرانية، وإحداث متغير استراتيجي في المنطقة.

ولم يكن بلا مغزى، في هذه الذروة الجديدة من التهديدات المتبادلة، قول رئيس منظمة الطاقة الإيرانية محمد إسلامي السبت: "لقد وصلنا إلى مرحلة النضج النووي، لتطوير محطات الطاقة النووية". وأكد أن "أساس قوة كل بلد هو أن تسعى جاهدةً في هذا السبيل (المجال النووي)، وأن ازدهار التكنولوجيا يخلق سلطة الردع ولا يجعل أحداً يفكر في العدوان".

وفي إشارة متناقضة، أعلن وزير الخارجية الإيراني عباس عراقجي، في وقت سابق، أن "الاتصالات الأخيرة مع الدول الأوروبية فتحت سبل التعاون في المفاوضات النووية". وأضاف أنه يأمل أن "تتشكل هذه المفاوضات مرة أخرى".

وبذلك، لا توصد إيران باب التفاوض مع الغرب، مع إظهارها في الوقت نفسه أنها لا تزال تملك خيارات أخرى.   

 ويجب ألا يغيب عن البال، موقف روسي لافت عبر عنه وزير الخارجية سيرغي لافروف الخميس مفاده أن اتفاق الشراكة الشاملة بين بلاده وإيران سيوقع في وقت قريب، وأنه يشتمل على بند حول الدفاع المشترك والتعاون العسكري. وهذا يعيد إلى الأذهان وثيقة مماثلة وقعتها روسيا منتصف العام الجاري مع كوريا الشمالية.