الثنائي الشيعي والقضاء: وزير المالية يعرقل تعيينات "التمييز"

منذ تعطيله في كانون الأول 2021، ما زالت تسقط كل المحاولات الدافعة نحو استئناف التحقيقات بانفجار مرفأ بيروت لدى المحقق العدلي طارق البيطار، وآخر فصولها: عرقلة وزير المالية تعيينات رؤساء غرف محاكم التمييز التي أعلنها الشهر الفائت مجلس القضاء الأعلى.  

بيان غامض؟  
بصورة مفاجئة، رغم عطلة الأعياد، أصدر وزير المالية يوسف خليل أمس السبت 16 نيسان، بيانًا أعلن فيه "عدم توقيع مرسوم تشكيلات ​محكمة التمييز​، كونه يتضمن أخطاء أساسية، ‏من شأن التوقيع عليه أن يخلق سابقة، لبنان بغنى عنها".  

هكذا، بغموض الموقف، ومن دون توضيحات لما أسماه وزير المالية بـ"أخطاء أساسية" -علمًا أن المرسوم خرج من مجلس العدل ووقعه وزير العدل هنري خوري– اعتبر وربما كانعكاس لموقف الجهة السياسية التي يمثلها، أن عدم توقيع المرسوم هو انطلاقًا من "حرصه الشديد على تحقيق العدالة وإظهار الحقيقة كاملة، في ملف تحقيقات ​انفجار مرفأ بيروت​، ‏وفقًا لنصوص الدستور والقوانين المرعية الإجراء، وموقفه واضح وثابت في هذا الخصوص".  

وأعلن خليل أنه "يتم العمل على تذليل العقبات أمام توقيع مرسوم التشكيلات المذكور، وسوف يوقع على المرسوم فور تذليلها".  

ملف المرفأ
تفيد معطيات "المدن" أن هذه العقبات قد تطول كثيرًا وقد يبقى المرسوم عالقًا، نظرًا للطابع السياسي الذي يتخذه الملف، وخصوصًا لجهة إطباق كل السبل التي تقود نحو تسيير ملف التحقيقات بانفجار المرفأ.  

واللافت أن بيان خليل، جاء بعد ساعات قليل من إصدار نادي القضاة في لبنان بيانًا مقتضبًا جاء فيه: "إن تأخّر صدور مرسوم تعيين رؤساء الغرف الشاغرة لدى محكمة التمييز تحت أي ذريعة كانت، يؤكد مرة جديدة الضرورة الملحة لإقرار قانون يمنح السلطة القضائية استقلالها الفعلي بدءًا بتحرير كل المراكز القضائية، من دون أي استثناء، من وجوب صدور مرسوم لاختيارها".  

خلفيات العرقلة  
للتذكير، وقبل نحو شهر من اليوم، وبعد تجاذبات كثيرة حول الأسماء، أعلن مجلس القضاء الأعلى إنجاز مشروع مرسوم تعيين 6 رؤساء غرف محاكم تمييز، وهم القضاة ماجد مزيحم وناجي عيد وسانيا نصر وأيمن عويدات وحبيب رزق الله ومنيف بركات. وسيملأ هؤلاء شغور الهيئة العامة لمحكمة التمييز، بعد أن فقدت نصابها (5 من 10) بإحالة القاضي روكز رزق إلى التقاعد بداية العام الحالي.  

وحينها، وُصف هذا الاجراء بالإنجاز، رغم أنه لم يأتِ ضمن سلة تشكيلات قضائية كاملة لم يشهدها لبنان منذ العام 2017، بسبب الصراعات السياسية والطائفية أيضًا.  

وفور انجاز مشروع المرسوم، أحاله مجلس القضاء لوزير العدل، فوقعه فورًا. ثم أحاله الأخير وفق البروتوكول الرسمي إلى وزير المالية، الذي كان من المفترض أن يوقعه قبل أن يحيله إلى رئيس الحكومة نجيب ميقاتي، ثم إلى رئيس الجمهورية ميشال عون لإصداره رسميًا.   

ورغم أن دور وزير المالية في هذا الصدد هو تقني إجرائي، ويتطلب منه التوقيع إذا كان مشروع المرسوم يتضمن اعتمادات مالية جديدة، كما يوقعه وزير الدفاع بالنسبة لقضاة المحكمة العسكرية. غير أن ما فعله خليل، وفق مصادر قضائية، هو تحويل توقيعه الإجرائي إلى توقيع سياسي قادر على عرقلة ملف تعيينات محكمة التمييز برمته.  

المحاكم المعطَّلة
ومن المعلوم أن التحقيقات بانفجار المرفأ، عالقة بعد سيل الدعاوى ضد البيطار. لكن ما حدث في شباط الفائت، هو تقديم الوزيرين السابقين المدعى عليهما، علي حسن خليل وغازي زعيتر، دعوى مداعاة الدولة (مخاصمة الدولة) ضد القاضي ناجي عيد، الناظر بطلب الرد المقدم منهما ضد القاضي البيطار. ولأن الهيئة العامة لمحكمة التمييز هي الموكلة بالبت بدعوى المخاصمة، تعطل التحقيق بانفجار المرفأ، بسبب فقدانها النصاب للنظر بالدعوى.  

أي أن التحقيق عمليًا عالق بقوة الأمر الواقع، ويستوجب المضي فيه اكتمال نصاب محكمة التمييز بعد توقيع مرسوم تعيينات الشواغر فيها.  

وهنا، يشير مصدر قضائي مطلع لـ"المدن"، أنه حتى لو تم انجاز ملف مرسوم التعيينات، يمكن للوزراء السابقين والنواب المدعى عليهم، الاستمرار بتقديم طلبات الرد ضد البيطار لوقف التحقيق.  

لكن، "عرقلة التعيينات والقول لا يوجد محكمة أفضل من الإحراج أمام الرأي العام عبر التقديم بطلب الرد واتهامهم بعرقلة التحقيق".  

ويشير المصدر إلى أن تعيينات محكمات التمييز بالأساس، هي جزئية جدًا، مستغربًا ربط عدم انجازها لمنع ضرب الميثاقية، من دون توضيح أسباب ذلك من قبل وزير المالية.  

وواقع الحال، تعيش العدليات في لبنان أسوأ أحوالها، لأن بعض القضاة استقالوا، وآخرين أحيلوا للتقاعد، واثنين منهم توفوا أو سافروا لخارج البلاد، ناهيك عن انهيار كبير في شؤونها اللوجستية. وعليه، يعبر معظم القضاة عن مطلب أساسي، وهو انجاز تشكيلات عامة في كل مراكز المحاكم المعطلة.  

ومن المرجح أن يظهر مصير التعيينات في محكمة التمييز قريبًا، فيما تتوقع أوساط قضائية تطيير إصدارها لما بعد الانتخابات، أي للحكومة المقبلة، كحال معظم المراسيم التي يُرمى تعليقها من حكومة إلى أخرى.