المصدر: النهار
الكاتب: نبيل بو منصف
الأربعاء 27 آب 2025 07:25:08
لم يكن "الثنائي الشيعي"، "أمل" و"حزب الله"، في حاجة إلى مزيد من الانكشاف بإعلانهما موعد اعتصام احتجاجي على قراري مجلس الوزراء الخاصين بحصرية السلاح في يد الدولة، ومن ثم التراجع عنه تحت وطأة التهيب من إشعال الشارع المقابل. هذا الاضطراب في الإدارة المشتركة لمرحلة ما بعد "الكارثة الشيعية" التي أدى اليها أخطر القرارات الأحادية الذي انبرى إليه "حزب الله" غداة عملية "طوفان الأقصى" مرشح للازدياد تصاعديا، ولن يجدي المراهنين من الطوائف والجهات السياسية والبيئات اللبنانية الأخرى، أن ينتظروا تمايزا مزعوما بين قيادة "أمل" ممثلة بالرئيس نبيه بري وقيادة الحزب، لأن مجمل التطورات التي تعاقبت بعد اغتيال السيد حسن نصرالله أثبتت عقم الرهان على تمايز كهذا. وما لم يتمكن منه بري مع صديقه وحليفه "الشهيد"، غدا أصعب بكثير مع الشيخ نعيم، الذي أمام عقدة سلفه الراحل، يمعن في محاولة إثبات جدارته القيادية بالتفوق في الحدة على الزعيم "التاريخيّ" الراحل لحزبه.
هذا جانب مهمّ ومؤثر في مقاربة تعقيدات المقاربات لواقع الثنائي الشيعي الذي عاد يثقل بقوة خطيرة مسار استكمال بسط سيادة الدولة بالكامل عبر نزع سلاح "حزب الله" أو تجميعه أو تسليمه، إلى حدود باتت معها التسمية والصفة لعملية شرعية كاملة المواصفات ومدعومة داخليا وخارجيا على نحو غير مسبوق تملي التدقيق اللغوي، كأننا أمام جسد ملتهب بكل أعضائه يفرض محاذرة الاقتراب منه.
غير أن الأخطر في "تعذر" شق مسار الإقناع إلى الثنائي الذي اعتاد ثقافة التحكم في الآخرين، وأفاد طوال عقود ثلاثة إن لم يكن أكثر من كل مكاسب "العصر الراحل" مع محور النظام السوري الأسدي والنظام الإيراني المتلقي ضربة قاصمة، أن يتمادى تعامل الدولة نفسها مع الثنائي الرافض قراراتها من منطلق "تعليق" قاطرة لبنان كله مجددا على موقفه إلى حدود شل مسار من غير المسموح بعد الآن عرقلته وتعطيله تحت وطأة انهيار الدولة الصاعدة نفسها.
لعلّ الأمر البالغ الخطورة الذي يتعين على الدولة والمكونات السياسية الأخرى كافة للحكومة أن تأخذه في الاعتبار العاجل يتمثل في أن الجرجرة الأميركية الجارية في إدارة ملف لبنان وربطه بملفات سوريا والشرق الأوسط برمته، فتحت وستفتح أكثر المجال الأوسع لكل من إسرائيل وإيران كما في السابق، بمزيد من الاستباحات للبنان. فمنذ نهاية حرب الـ12 يوما على إيران لم يتوقف نظامها لحظة عن استفزاز اللبنانيين ودولتهم وسلطاتهم، كما لم تتوقف إسرائيل عن تقديم الخدمات الضمنية لـ"حزب الله" من خلال تصعيد انتهاكاتها الميدانية بما لا يساعد حليفها الأميركي في وساطته ولا يساعد السلطة اللبنانية في مطالبها السيادية من إسرائيل، أسوة ببسط سلطتها الداخلية كاملة. وليس في الحاصل راهنا، مع عودة "وفد الموفدين" الأميركيين هذه المرة في الجولة الخامسة لكبير الموفدين توم براك في بيروت، ما يبعث على كثير من الانشراح والحبور ما دامت وساطة إدارة ترامب تقف عاجزة أمام اختراق دائري انتظره اللبنانيون في اتجاهات إسرائيل وسوريا ولبنان لإطلاق مسار "تبادلية" الإجراءات التي تعيد إلى لبنان سيادته الحدودية والداخلية سواء بسواء.
ليس سوى أميركا من يمكنه أن يقدم الدعم الحاسم للدولة اللبنانية في سيادتها الحدودية الآن مع إسرائيل وسوريا، وأي تخاذل عن استعمال ضغوطها سيدفع لبنان ثمنه من خلال التنمر الإسرائيلي والتحريض الإيراني لذراعها على التمرد. والمسالة أبعد من "ثنائي" يملأ الداخل "بوظيفته"!