المصدر: نداء الوطن
الكاتب: سامر زريق
السبت 6 أيلول 2025 07:07:14
قبل أن تنطلق جلسة مجلس الوزراء المخصصة لبحث خطة الجيش لسحب سلاح "حزب الله" وأشقائه، كانت جميع القوى المشاركة في الحكومة على بيّنة من فلسفتها وتفاصيلها وسياقها الزمني، وعلى رأسها "الثنائي الشيعي"، وخصوصًا الرئيس نبيه بري.
والحال أن هذه الجلسة لم تؤجل لعدة أيام، بناء على تنسيق بين رئيسي الجمهورية والحكومة، إلا لإكمال التفاوض حول تخريجة سياسية تحفظ ماء وجه "الثنائي"، وتتيح للسلطة السياسية هامشًا من المناورة إزاء الضغوط الدولية.
ذلك أن السياسة التي يتبعها الرئيسان لمقاربة هذه المسألة الشديدة الحساسية، وفي ظل الضغوط الدولية الهائلة، ترتكز على إبداء الرئيس جوزاف عون مرونة توازن تشدد الرئيس نواف سلام في تطبيق قرار حصرية السلاح، وترمي إلى تضييق الفجوات والمساحات أمام "الحزب" لإلزامه بالتعاون مع الجيش في تنفيذ الخطة. تزداد أهمية هذه السياسة بالنظر إلى أن فلسفة الخطة التي أعدها الجيش تقوم على ركيزتين: الإمكانيات والموارد المتاحة، والحرص على التعاون مع "الحزب" وقواعده لا التصادم، لضمان نجاحها وعدم وقوعها في شراك فوج "الأهالي" وغيره من الأدوات التي صارت معروفة.
خلال الأيام الفاصلة عن موعد الجلسة، زاد رئيس الجمهورية من جرعات الاحتواء، عبر مشاورات صاخبة حينًا، وسلسة وهادئة أحيانًا، حرص فيها على مغازلة كبرياء "الحزب" المهشّم، من خلال الإصرار على إشراكه في النقاش لدرء احتمالية وقوع فتنة داخلية، من دون أن يفضي ذلك إلى أي تنازل جدي يقوّض المسار الناشئ.
وبينما كان "الحزب" بالدرجة الأولى، ومن خلفه "أمل" بدرجة أقل، يطالبان بتراجع الحكومة عن القرارات المتخذة في جلستي 5 و 7 آب، أو تجميد تطبيق قرار حصرية السلاح، فإن رئيس الجمهورية منحهما نصف خطوة، من خلال التفاهم مع رئيس الحكومة على إظهار تراجع شكلي يفسح المجال أمام إدراج بنود أخرى على جدول أعمال الجلسة، بالإضافة إلى البند الرئيسي المتمثل في خطة الجيش، مقابل ضمان حضور ممثلي "الثنائي".
استخدم الرئيس نواف سلام، الشديد الحرص على الدستور والقانون منذ لحظة تكليفه، روح القانون الذي يحصر به إعداد جدول أعمال مجلس الوزراء، مع إطلاع رئيس الجمهورية عليه، أسوة بما فعل أول مرة كي تبصر التشكيلة الحكومية النور، مقابل تثبيت حصرية قرار الحرب والسلم بيد الدولة، والأهم عدم تراجع الحكومة عن قرار حصرية السلاح. إذّاك تغدو مشاركة ممثلي "الحزب" و"أمل" في الجلسة بمثابة توقيع على خطة الجيش، وإقرار ضمني بالمسار الذي بدأ في 5 آب، لا يلغيهما الانسحاب، ولا الاعتراضات الصاخبة طالما أنها ضمن حدود مضبوطة بسقف عدم حصول صدامات على الأرض.
في الواقع، لا ينظر صناع القرار إلى هذه الاعتراضات بسلبية كاملة، بل يرون أنها تسهم في تدعيم أوراق الدولة التفاوضية، من خلال إظهار إصرارها الحاسم على المضي في التزاماتها، مقابل توظيف هذه المناخات المتشكلة لمطالبة أميركا بممارسة ضغط جدي على إسرائيل لإلزامها بتطبيق خطوة من جانبها، تتمثل بالانسحاب من المواقع التي احتلتها في الأراضي اللبنانية، أو على الأقل بعضها. وتبقى الورقة الأبرز في يد الدولة هي المدة التي نصت عليها خطة الجيش، والمقدّرة حسب التسريبات بنحو 15 شهراً، والتي يمكن استخدامها على طاولة التفاوض مع الفاعلين الخارجيين لحثّهم على تقديم الدعم اللازم من أجل تقليل المهلة إلى الحدود التي نص عليها قرار الحكومة، المؤطر بنهاية العام الجاري.
يمكن القول إن الرئيس جوزاف عون تمكن من تحقيق إنجاز يبنى عليه الكثير، حيث استطاع تخريج الجلسة بطريقة ترضي جميع الفاعلين المحليين والخارجيين، وتجنب البلاد حصول صدامات. الجيش أعد الخطة، مجلس الوزراء، وبرئاسته، أخذ القرار بالموافقة عليها، المجتمعان الدولي والعربي رحّبا بالقرار وبالخطوات التي تم إنجازها، رمي كرة الضغط في ملعب إسرائيل، فيما "الحزب" حافظ على ما تبقى من ماء وجهه من خلال الإعلان عن إعداد استراتيجية أمن وطني بالتوازي مع تطبيق خطة الجيش، تنطلق من قاعدة أساسية لا حياد عنها "حصرية السلاح بيد الدولة"