الجامعة العربية تبادر... أو تدعم المبادرة القطرية؟

كتب الان سركيس في نداء الوطن: 

حظي لبنان منذ الإستقلال باهتمام عربي لافت، وكان هذا البلد يُمثّل «الطفل المدلل» لدى الدول العربية الفاعلة على رغم إدخاله في بعض المراحل آتون صراعات المحاور.

وشكّل انتقال القيادة العربية بعد وفاة الرئيس المصري جمال عبد الناصر من مصر إلى السعودية مرحلة جديدة من تاريخ السياسة العربية، لكن هذا الأمر لم يؤثّر على لبنان، بل إن العلاقات اللبنانية - السعودية شهدت تقدّماً كبيراً خصوصاً مع فترة دخول الرئيس الشهيد رفيق الحريري إلى الملعب السياسي اللبناني.

وعلى رغم الدور العربي الكبير في لبنان والذي تمثّل بالرعاية العربية لـ»اتفاق الطائف» في العام 1989 و»اتفاق الدوحة» العام 2008، إلّا أنّ العلاقات اللبنانية - الخليجية شهدت هزّة قوية منذ شباط 2016 عندما ساءت مع المملكة العربية السعودية وتضامنت معها الدول العربية، من ثمّ لم يعالج عهد الرئيس ميشال عون التوترات السابقة، بل زاد الأمور تعقيداً نتيجة دفاعه عن سياسة «حزب الله» واحتضانه له.

وفي كل المراحل كان لجامعة الدول العربية دور بارز في لبنان وظهر هذا الدور من خلال «الطائف» مع الموفد الأخضر الإبراهيمي وخلال مرحلة «اتفاق الدوحة» مع الأمين العام للجامعة عمرو موسى.

ولا شكّ أن ما يعتبره العرب «وصاية إيرانية» خفّف من الحماسة العربية تجاه لبنان، فمعظم الدول العربية وعلى رأسها مصر تقف في المحور السعودي وتحاول مواجهة تمدّد إيران في العواصم العربية، من هنا لم تشهد الأزمات اللبنانية المتلاحقة أي تحرّك لجامعة الدول العربية على مستوى الأزمة، بل إن معظم حديثها هو في إطار العموميات.

ويكشف مصدر دبلوماسي مطلع أن جامعة الدول العربية تراقب الوضع اللبناني عن كثب وتدرسه من كل جوانبه، فهي لا تريد أن تغرق في الوحول اللبنانية، لكنها من جهة ثانية لا تستطيع أن تترك «بلد الأرز» يواجه مصيره لوحده. وفي السياق، فإنّ الجامعة تدرس كل الخيارات التي من شانها أن تدخل عبرها إلى عمق الأزمة اللبنانية، ومن المحتمل أن ترسل وفداً رفيعاً يلتقي القادة اللبنانيين وذلك من أجل استخلاص العبر ومحاولة القيام بمبادرة ما.

لكن الجامعة حذرة بعض الشيء خصوصاً أن التجارب السابقة لا تشجع وتريد أن تستمزج آراء الدول الفاعلة في الملف اللبناني، وتفضّل أن يحصل تحركها بغطاء عربي من الدول الفاعلة وعلى رأسها مصر والسعودية والإمارات والاردن وغيرها، وإلا يكون تحركها في غير مكانه.

ومن جهة أخرى، وعلى رغم التأزم الذي ساد العلاقات العربية - القطرية في المرحلة السابقة، إلا أنّ جامعة الدول العربية لا تبدي أي انزعاج من أي مبادرة تقوم بها قطر في المرحلة المقبلة من أجل حلّ الأزمة اللبنانية، خصوصاً أنّ العلاقات العربية مع قطر تعود تدريجياً إلى وضعها الطبيعي وهناك تنسيق قطري مع بقية دول الخليج بشأن لبنان، من هنا فإنّ الجامعة العربية قد تدخل كعامل مساند للمبادرة القطرية المزمع تقديمها إذا نالت مباركة بقية الدول العربية الفاعلة.

لا شكّ أنّ دور جامعة الدول العربية معنوي أكثر مما هو عملي، لكن تحركّها في المرحلة المقبلة يأتي ضمن مسلسل إشارات سعودية وخليجية ومصرية تجاه الوضع اللبناني، أي أن لبنان عاد إلى دائرة الرعاية العربية، وهذا الأمر هو أهم نقطة في تحرّك الجامعة العربية إن تمّ.

لم يصدر عن الجامعة العربية أي بيان رسمي يتحدّث عن موعد زيارة وفدها إلى بيروت او برنامج اللقاءات، لكن المعلومات تؤكّد أن الزيارة ستحصل عندما تتوافر فرص نجاح التحرّك، فالتحرك لا يأتي في إطار الإستعراض او القول «نحن هنا»، بل إن المطلوب حصد نتيجة تنقذ لبنان من ازمته لأن الوضع الإجتماعي والإقتصادي مقلق، وإلا لا نفع لأي حراك.