الجامعة اللبنانية تفتح أبوابها: التعليم كيفما اتفق وبمن حضر

قرار فتح الجامعة اللبنانية أبوابها لإطلاق العام الدراسي أتخذ. وبمعزل عن قرار رابطة الأساتذة المتفرغين الاستمرار في الإضراب، قرار بدأ العام الدراسي دخل حيز التنفيذ. وقد تبلغ أساتذة من مدراء الفروع أنه في حال لا يريدون العودة إلى التعليم، يستطيعون أخذ إجازة سنوية من دون راتب، إلى حين تحسن الوضع في لبنان. بمعنى آخر، عليهم العودة إلى التعليم بمعزل عن أي قرار نقابي.

 

قرارات عدة

اتخذ العمداء في الجامعة قرارات عدة لتسيير العام الدراسي، منها ما يتعلق بالتعليم الحضوري، وترك الخيار لكل كلية ما تراه مناسباً بخصوص عدد الأيام الحضورية، التي ستقتصر بكل الأحوال على ثلاثة أيام. وتقرر أيضاً منح الأساتذة المتفرغين خيار تقديم طلبات الاستيداع أو طلب الاجازات المفتوحة من دون راتب لمدة عام. كما تقرر السماح للأساتذة الذين يعيشون خارج لبنان التعليم من بعد، لعدم خسارتهم. وتقرر أيضاً حصر ساعات المتعاقدين ضمن فترة شهر ونصف لإنهاء المناهج، من خلال تكثيفها بأيام محددة، كي لا يتكبدوا أتعاباً وبدلات انتقال تفوق أجرهم بأشواط، بعدما باتت ساعة الأستاذ الجامعي توازي نحو دولارين.

وتبلغ الطلاب يوم أمس الخميس من رئيس الجامعة بسام بدران أن أيام التعليم ستقتصر على ثلاثة أيام مقابل أربعة أيام فرصة، وأن التعليم من بعد متعذر. ولفت الطلاب بعد اللقاء أن الرئيس أبلغهم عن إقفال السكن الجامعي في الحدث إلى حين إجراء الصيانة والإصلاحات فيه، وسيصار إلى رفع بدل السكن إلى نحو مليون ليرة بالشهر.

 

الانتقال إلى التعليم الخاص

قضية السكن قضّت مضجع الطلاب الذين شكوا من عدم القدرة على تكبد بدلات الانتقال من المناطق البعيدة. فكلفة النقل اليومية من صور أو طرابلس إلى بيروت، حتى لو كانت لثلاثة أيام حضورية، تزيد عن المليون ليرة بالأسبوع، ما يعني تكبد الطالب أكثر من أربعة ملايين ليرة بالشهر، هذا من دون التكاليف الأخرى مثل تصوير المحاضرات والقرطاسية والطعام. وبالتالي، سيعيد طلاب الجامعة اللبنانية حساباتهم بالتسجيل فيها، لأن كلفة بدل النقل طوال العام ستوازي قسطاً في جامعة خاصة بالقرب من سكنهم. هذا فضلاً عن خوفهم من إضراب الأساتذة وإقفال الجامعة. وهي المأساة عينها التي يعيشها طلاب المدارس الرسمية وأساتذتها في ظل انهيار الدولة، والتي أدت إلى تراجع عدد الطلاب المسجلين، مفضلين التعليم الخاص الشبه مجاني. ووفق مصادر إدارة الجامعة، لم يأت الوقت لاحتساب عدد الطلاب المسجلين، ففي كليات عدة لم يفتح باب التسجيل بعد. لكن من المتوقع تراجع عدد الطلاب هذا العام.

 

فرز طبقي واجتماعي

الإشكالية التي يعاني منها الطلاب والأساتذة في اللبنانية معقدة، وحتى حال الطلاب مع جامعتهم أيضاً، كما يقول الأستاذ باسل صالح لـ"المدن"، تعليقاً على اجتماع الطلاب مع رئيس الجامعة بسام بدران وتبلغهم القرارات الجديدة. ويقول صالح إنه بالشكل لا صفة لهؤلاء الطلاب، الذين انتقاهم بدران دون غيرهم، للاجتماع معهم. فلو كان بدران مهتماً بقضايا الطلاب والتحدث إلى من يملكون صفة تمثيلية لكان عليه الإفراج عن الانتخابات الطلابية ومجالس فروع الطلاب. وعلق على ما بدر من نقاشات حول الكلفة التي يتكبدونها بأنها أكبر مما يتصورون. وقال: "أعلم في عمادة كلية الآداب طلاب الماجستير، أي كل طلاب الماجستير في الفروع في كل لبنان. وكلفة انتقال الطالب من طرابلس أو البقاع أو الجنوب إلى العمادة، أكثر بكثير مما يتصوره بعض الطلاب".

وأضاف أن غالبية الأساتذة تفضل التعليم الحضوري في حال تأمين مستلزماته، وحتى لو ذهب الأستاذ إلى الجامعة، كيف يأتي الطلاب؟ يسأل صالح ويضيف أن الواقع الحالي سيؤدي إلى فرز اجتماعي وطبقي وطائفي ومناطقي وحزبي داخل الجامعة اللبنانية. فمن يسكن بالقرب من الجامعة في صيدا سيتعلم، بينما سيكون العلم متعذراً على ابن حاصبيا أو بنت جبيل، على سبيل المثال. وهذا الأمر يعتبر أخطر بكثير من كل المشاكل التي تواجهها الجامعة اللبنانية حالياً.

 

مشكلة الطلاب مع السلطة

ووفق صالح، إضراب الأساتذة يؤثر على مستقبل الطلاب، الذين ربما يفضل العديد منهم الانتقال إلى الجامعة الخاصة. لكن مشكلة الطلاب تتعلق بمشاكل الجامعة اللبنانية وليس بالأستاذ. وتتعلق برابطة الأساتذة المتفرغين، المسيطر عليها من أحزاب السلطة، التي اجهضت كل التحركات السابقة قبل التوصل لحل مستدام للأساتذة والطلاب والجامعة ككل. ومشكلة الطلاب تتعلق بالتفاف رئيس الجامعة على التحركات النقابية لفتح الجامعة. هذه الأمور التي تعاني منها الجامعة تضر بعلاقة الأساتذة مع الطلاب والأهل، لأنهم يعتبرون أن مشكلتهم مع الأساتذة وليس مع السلطة التي دمرت الجامعة. السلطة وأحزابها قضموا ميزانية الجامعة، التي باتت عبارة عن ابنية سكنية، لا مجمعات جامعية مجهزة ببنى تحتية تضمن جودة التعليم.

ولفت صالح إلى ما تعاني منه الجامعة من غياب البديهيات. وقال: منذ مدة تلغى الامتحانات في كليات بسبب شح المازوت. الأسبوع الفائت اعتصم الطلاب في مجمع الحدث بعدما تبلغوا بإلغاء الامتحانات بسبب انقطاع التيار الكهربائي. هذا النوع من الأخبار بات عادياً ومتداولا في الجامعة. لقد ضغطت إدارة الجامعة على الأساتذة للعودة لإجراء الامتحانات من دون وجود حتى بنية تحتية مؤهلة.

وأضاف، يعود الطلاب إلى الجامعة وسط وعود بتحسن الأوضاع وتأمين المستلزمات، يعلمون أنه لن ينفذ منها أي شيء على أرض الواقع. فهل يمكن تسيير عام دراسي من دون كهرباء ومازوت ومستلزمات أساسية؟ يسأل صالح ويجيب: "الرئيس يضع تصورات أن هذه الأمور الحيوية ستتأمن مع الوقت، لكن كيف يمكن أن نثق بالوعود؟ وكيف يمكن أن يتعلم الطلاب طالما لا يوجد بنية تحتية مؤهلة، بمعزل عن صعوبة تأمين بدل الانتقال إلى الجامعة؟ وكيف يمكن أن تؤمن الجامعة جودة التعليم في ظل الواقع الحالي؟ هل يتبلغ الطالب المحاضرات والدروس بالتواتر من زملائه القادرين على الحضور؟ يسأل صالح وينعي التعليم بالجامعة بالقول: تريد الإدارة من الطلاب تقديم امتحانات شكلية بعد الطلب من الأساتذة مراعاتهم بطرح الأسئلة. وهذا يعني تسيير عام دراسي بتعليم شكلي يؤدي إلى ضرب مستوى التعليم وشهادة الجامعة اللبنانية. وكل ذلك لغايات تتعلق برغبة رئيس الجامعة فتح أبواب الجامعة والتباهي بعدد الطلاب.