المصدر: النهار
الكاتب: نبيل بو منصف
الجمعة 17 كانون الثاني 2025 07:32:35
ليس بين القوى السياسية – الحزبية – الطوائفية في لبنان سوى الثنائي حركة "أمل" و"حزب الله" من سلّم بتسميته المذهبية الفاقعة هكذا "الثنائي الشيعي"، ولو أن سائر الآخرين، إلا قلة نادرة، لا يتمايزون في التركيبة الطائفية الطاغية للبنان السياسي والاجتماعي.
وقد تكون اللحظة الراهنة التي يعبر فيها لبنان من عصر إلى عصر بدفع تغييري مذهل، غير مسبوق منذ نهاية الحرب فيه في القرن الماضي، الذروة الأشد مصيرية ودراماتيكية لمسار هذا الثنائي وواقعه بعدما نالت الحرب الإسرائيلية الأخيرة من "حزب الله" ضربات قاصمة هددت بقاءه وليس واقعه العسكري فقط؛ ذلك أن الذين أذهلتهم ردة فعل "الثنائي الشيعي" الذي يملك من حقبة استئثاره الطويلة بالنفوذ السلطوي الأحادي الممثل للشيعة عبر رئاسة البرلمان لنبيه بري "التاريخي" منذ بداية التسعينيات بلا منازع، ومن خلال كتلتي الثنائي اللتين لا نواب شيعة خارجهما، وطبعاً وأولاً وأساساً من خلال ترسانة حربية إيرانية خيالية تراكمت لدى "حزب الله" منذ إنشائه وبلغت قبل الحرب الإسرائيلية الأخيرة حجماً يتجاوز الترسانات الصاروخيّة لأكبر الجيوش… هؤلاء المنذهلون سها عن بالهم استعراض ما خسره ويخسره وسيخسره الثنائي في مسار انقلاب تاريخي مذهل لواقع الشرق الأوسط برمّته بعد الحروب الإسرائيلية الارتدادية على طوفان 7 تشرين الأول/ أكتوبر وانهيار نظام البعث الأسدي في سوريا.
لم تشكل إذن الواقعة المركبة المتعاقبة لانتخاب الجنرال جوزف عون وتسمية القاضي الدولي نواف سلام رئيساً مكلفاً لتشكيل الحكومة، من منظار واقعي وحقيقي قبل أن تكون هذه نظرة الثنائي، إلا التتويج الحاسم داخلياً لنهاية سطوة وعصر وعهد وحكم "الثنائي" نفسه.
لا تحتمل هذه الحقيقة مداهنة أو مسايرة أو تكاذباً أو تمويهاً وتكاذباً في التعبير الإعلامي والسياسي الرائج كما يسود منابر السياسة والإعلام في لبنان في هذه اللحظة.
وكانت ردة فعل كبير نواب "حزب الله" محمد رعد يوم أجرى الرئيس المنتخب جوزف عون الاستشارات النيابية لتكليف نواف سلام، أصدق ما رسمته انفعالات الحزب حيال انقلاب متدحرج، لا في الدستور والسياسة والتحالفات الداخلية، بل في ظروف لبنان والمنطقة التي أسقطت عقوداً من النفوذ الإيراني ودفعت بلبنان نحو التحرر من كل ذلك الموروث.
ولكن ذلك كله يقف الآن أمام معالم ما قد يشكل أخطر المزالق اللبنانية التي تتهدد إقلاعة العهد الجديد والعصر الجديد ما لم تتم عملية الاحتواء والمعالجة بالدقة والحزم اللازمين معاً. والمقصود بذلك أن لجوء الثنائي الشيعي إلى مقاطعة الاستشارات التي أجراها رئيس الحكومة المكلف نواف سلام والتلويح باحتمالات خروج الثنائي من الحكومة العتيدة تحت وطأة افتعال أزمة حكم في وجه العهد الجديد، ولو شكل ذروة الابتزاز الضاغط على الرئيسين عون وسلام والقوى الداخلية والدول الداعمة والراعية وعرابة العهد الجديد، سيوجب على الثنائي الرئاسي الجديد عون وسلام خوضاً مبكراً لأول معمودية سياسية بالغة الصعوبة والدقة، تقارب الجراحة الأخيرة للعبور بلبنان إلى بر الفجر الطالع، وإلا نجح الثنائي الشيعي في توجيه أسوأ الضربات الإحباطية إلى هذه المرحلة التغييرية الجذرية.
سيكون مستحيلاً تجاهل خطورة اللعب باستبعاد "شيعة الثنائي" الآن كما سيكون مستحيلاً الرضوخ لابتزازه. ولذا من الخطورة توسّل التحريض على حشر الثنائي في اختبار استبدال شيعته بشيعة مستقلين أو مرتبطين بخصومه، كما من الخطورة الأفدح التسليم له بنمط ابتزازه وضغطه وتهويله. هذه هي معادلة المعمودية الصعبة لرمزي العهد الطالع. فلننتظر.