الجيش في عين العاصفة الأميركية والرسالة.. لمن يهمّه الأمر

لعلّها المرة الأولى التي يتعرض فيها الجيش اللبناني لهجمة مبطنة وغير مسبوقة من الولايات المتحدة الأميركية، بعد انطباعات حملها المبعوثون الأميركيون إلى بيروت، من أن «المؤسسة العسكرية» لا تقارب ما أسند إليها من مهام وخطوات بما يتلاقى ورؤية الإدارة الأميركية المتأثرة إلى حد كبير بالمزاج الإسرائيلي.
 
ثمة أسئلة فتحت النقاش حول ما يتعرض له الجيش اللبناني بعد إلغاء زيارة قائد الجيش العماد «رودولف هيكل» الى واشنطن وإعلامه مسبقا بأن خطوات استقباله من قبل السناتورات الجمهوريين وصولا إلى ما كانت تحضّر له السفارة اللبنانية في واشنطن من حفل للاستقبال قد ألغي أيضا، ما طرح أكثر من تساؤل: «هل المقصود الجيش كمؤسسة عسكرية ضامنة للسلم الأهلي في لبنان، أم للرئيس «جوزاف عون» قاسم يمين حماية الدستور وسيادة البلاد خاصة بعد الاعتداء الأخير على بلدة بليدا وما تلاه من توصية لرئيس الجمهورية بصفته القائد العام للقوات المسلحة اللبنانية، والطلب من قائد الجيش التصدّي لأي عدوان بري على الأراضي اللبنانية».
 
وهنا يزيد الفضول بالبحث عن الأسباب الحقيقية الكامنة خلف هذا التطور، علما أن «الجيش اللبناني» يقوم بمعظم وحداته العسكرية على الدعم المحدود من أميركا، هذا إضافة إلى تحرير مبالغ مالية تصرف سنويا لصالح «مؤسسة الجيش».
 
المصادر المتابعة تربط إلغاء زيارة قائد الجيش بسلسلة التصريحات والتلميحات التي برزت مؤخرا على لسان رئيس الجمهورية «جوزاف عون» ورئيس مجلس النواب «نبيه بري» الواضحة باتهامها جوقة ما سمّتهم «بالفسدة والواشين» ليس ضد دور الجيش فحسب بل ضد عهد الرئيس برمّته، سعيا لإفشاله وحرفه عن أي إنجاز وطني بفرملته مسبقا عبر جولات بعض «القوى النيابية والحزبية التي تحمل شعار التغيير في الخارج»، متسائلة عن اهداف هؤلاء ومراميهم، ولخدمة من يعملون بإضعاف الدولة من خلال إطلاق النار السياسي على «مؤسستها الضامنة والحامية للسلم الأهلي المتمثلة بالجيش اللبناني».
 
كذلك تربط المصادر المتابعة «مسار التصعيد ضد الجيش بمسار التصعيد الإسرائيلي في جنوب لبنان»، وبلوغ ذروة الاعتداءات في الأيام الماضية، من خلال استهداف «مخيم عين الحلوة» الذي سلّم سلاحه للجيش، إلى تهديد القرى واستهدافها وصولا إلى استهداف «قوات اليونيفيل»، كما حصل مع دورية لها في بلدة «سردا» قضاء مرجعيون، وليس انتهاءً بما يتعرض له الجيش من استهدافات أدّت إلى استشهاد عدد من جنوده وضباطه.
 
إلى ذلك تضيف المصادر: «لم يفاجئ اللبنانيين إعلان إلغاء الزيارة، خاصة وأنه يأتي بعد «حملة سياسية وإعلامية أميركية - إسرائيلية» وصفتها بغير المسبوقة كونها أتت في سياق مرتبط بالضغط المباشر لإعادة رسم دور الجيش وعقيدته العسكرية في المرحلة المقبلة المرتبطة بتطورات المنطقة، والتسويات الإقليمية الهادفة إلى تطبيع علاقات «الدول العربية مع الكيان الإسرائيلي «استنهاضاً للاتفاقات الابراهيمية».
 
وما يعزز هذه الفرضية هو أن إلغاء الزيارة حمل صيغة الإرجاء بانتظار أن تتوضح الأمور، من دون أن يرتبط «بموقف أميركي سلبي صريح»، إلّا أن أجواء الساعات التي سبقت القرار تظهر أن «إدارة ترامب» لم تكن في وارد توفير ظروف نجاح الزيارة، بعدما ارتفعت أصوات داخل «الكونغرس» تتحدث عن لزوم إعادة تقييم الدور الذي يلعبه الجيش جنوبا وآلية انسجامه مع «التصور الأميركي - الإسرائيلي» للمعادلات الجديدة لا سيما المرتبطة بعلاقة الجيش مع «حزب الله» من جهة، وتقدم متغيّرات المنطقة وخاصة المحيط العربي من جهة ثانية.
 
وأمام هذه المستجدات، ترى المصادر ان المرحلة المقبلة من شأنها أن تراكم المخاوف حيال مصير صمام أمان الدولة، وتخشى أن يكون الأمر متعلقا بخطة جديدة تمرّ من بوابة «الفتنة الداخلية والصدام بين الجيش وحزب الله كما تشتهي إسرائيل، ما حدا بالدول الأوروبية وخاصة فرنسا للإسراع من تحذيرها لتداعيات ضرب «المؤسسة العسكرية اللبنانية» والسماح للبنان بالانزلاق نحو فوضى طوائفية تبعا لتركيبته الديمغرافية.
 
وبالتالي ان ما رسمته هذه التطورات يؤشر إلى أن مرحلة ما بعد تكليف الجيش ببسط سيادة الدولة على كامل الأراضي اللبنانية مرهونة بالنتائج، علما بأن «القيادة العسكرية والسياسية اللبنانية تقارب الملفات وخاصة السلاح من منطلق عدم تعريض السلم المجتمعي للخطر». وهي تتفهّم كل أسباب التمسّك بالسلاح طالما أن إسرائيل لم تقدّم أي بارقة حل، ولم تتقدم خطوة واحدة في تطبيق ما يلزمها به القرار 1701، من وقف للاعتداءات وانسحاب من الأراضي التي احتلتها مؤخرا، والإفراج عن الأسرى اللبنانيين، والسماح بالتالي لأهالي القرى الأمامية العودة الى بلداتهم. فهل بات الجيش يمثل حجر عثرة بوجه «المشروع الصهيو-أميركي»، أم ان رفع سقف التهويل والضغط يسري على قاعدة رفع الشروط الى الأقصى للحصول على الأدنى؟