المصدر: المدن
الكاتب: أحمد الحاج علي
السبت 20 أيلول 2025 02:07:51
أكثر من مداهمة. إنها إعادة سيطرة على مخيم شاتيلا، أو بتعبير أدقّ، ما قيام الجيش اللبناني من اقتحام المخيم بالعديد والعتاد يوحي بأنه خطا الخطوة الأولى في مسار إعادة السيطرة على المخيمات الفلسطينية في لبنان. قد لا تكون هذه السيطرة مباشرة على الأرض، لكنها تعني القدرة على الوصول إلى المخيّمات متى أرادت السلطات اللبنانية ذلك.
صحيح أن عناصر من الأجهزة الأمنية اللبنانية دخلت مرات عدة إلى مخيم شاتيلا سابقاً، لكن دخولها كان يتم بالتنسيق مع الفصائل الفلسطينية، وللقيام بمهمات محدودة، مثل اعتقال مطلوبين، أو مداهمة وكر مخدرات، أو جلب أفراد متهمين بقضايا أمنية. كما أن المداهمات كانت غالباً ما تنفذها الأجهزة الأمنية، وليس الجيش اللبناني، ولم يكن الأمر ترجمة لمسار سياسي، كما يوحي مشهد الاقتحام الأخير.
صورة اقتحام مئات من عناصر الجيش اللبناني لشوارع وزواريب المخيم، لم يعرف مثلها من أسعفته الذاكرة من سكانه الثلاثين ألفاً إلا في العام 1982. وكأن التاريخ الحالي يشهد ولادة سلطة وليس مجرد عملية أمنية، مع اختلاف جوهري في الملامح العامّة بين المرحلتين والسلطتين. لكن هذه المرة كان الجيش أكثر تحسباً، إن كان بنشر القناصة بأعداد كبيرة في المباني العالية، أو انتظام مئات العناصر في الصفوف الخلفية تحسباً لأي طارئ. واستُخدمت المتفجرات في ثلاثة مواقع على الأقل. وتعرّضت عناصر الجيش اللبناني للاستهداف بعدد من القنابل والرشقات النارية، لكن علمت "المدن" أن ذلك لم يكن بهدف فتح اشتباك مع الجيش اللبناني، بل استُخدم تغطية لانسحاب بعض تجار المخدرات.
وقْع المفاجأة كان مضاعفاً من ناحية التعتيم الإعلامي قبل انطلاق العملية، إذ إن الجيش اللبناني لم يبلّغ الفصائل الفلسطينية بعملية الاقتحام، وإن كان مسؤول الأمن الوطني الفلسطيني في لبنان صبحي أبو عرب قد صرّح بأنه علم بالعملية قبل نصف ساعة من انطلاقها. إلا أن الارتباك الذي لوحظ في تصرفات عناصر فتح وغيرها من الفصائل، يؤكد أن هذه العناصر على الأقل لم تُبلّغ بالعملية.
أما تجّار ومروّجو المخدرات الذين تفاجأوا بالعملية وحجمها، فقد شوهدوا يركضون من حي إلى حيّ، بعضهم بثياب النوم، وبعضهم حفاة الأقدام ويحملون أسلحة خفيفة. ووقع تلاسن بينهم وبين عناصر فصائلية بالقرب من جامع شاتيلا في وسط المخيم، كاد يتحول إلى اشتباك مسلح. وعاش تجار المخدرات إرباكاً، وهم الذين يعملون بحرية شبه تامّة منذ العام 2005، واستطاعوا مواجهة عدة انتفاضات شعبية ضدهم أبرزها في العام 2016، إذ إن الاقتحام شمل معظم مساحة المخيم، باستثناء قاطع يفصل المخيم عن الحي الغربي الملاصق له.
وكان من اللافت أن موقعين من أصل ثلاثة مواقع فجرها الجيش اللبناني هما ملاصقان لمركزَي فصيلين، أحدهما يعمل تحت لواء منظمة التحرير الفلسطينية، والآخر ضمن إطار تحالف القوى الفلسطينية، ما يعكس عجزاً، أو ربما تواطؤاً. وكانت "المدن" قد نشرت مقالاً تناول جزء منه العلاقة المتشابكة بين تجار المخدرات والفصائل في المخيم: "هكذا سيطرت "بارونات" المخدرات على مخيم شاتيلا.
الاقتحام استمرّ ست ساعات، ونتج عنه توقيف عدد من المطلوبين، لكن استطاع المروّجون الأساسيون التواري عن الأنظار، رغم أنهم خسروا أوكارهم الرئيسية، وهذه فرصة للفصائل الفلسطينية، إن أرادت، لإعادة تنظيم حياة الفلسطينيين في المخيم. كما صادر الجيش اللبناني كميات من الأسلحة الخفيفة والمتوسطة، ومواد مخدرة، جرى نقلها بأكثر من عربة تيك توك.
يُسجّل أنه لم يجرِ أي صدام مع الجيش اللبناني خلال عملية الاقتحام، وكانت سمة الارتياح غالبة على المستوى الشعبي. كما يلاحظ أن الجيش اللبناني لم يستثمر الاقتحام لتثبيت نقاط داخل المخيم، ما يدلّ إلى عدم وجود رغبة في إدارة المخيم مباشرة. فالجيش يدرك صعوبة ذلك في ظل غياب حلول قانونية واجتماعية، خاصة بعدما خبِر العوائق في مخيم نهر البارد منذ العام 2007.
العملية الأمنية العسكرية التي جرت في مخيم شاتيلا هي أول عملية داخل مخيم بعد البدء بتسليم السلاح الفلسطيني، لكنها وقعت في مخيم لم تلحظه عمليات التسليم السابقة. فهل ما جرى هو مسار جديد اختارت فيه السلطات اللبنانية مكافحة المخدرات للولوج إلى قضايا أخرى؟ في كل الأحوال، تعكس العملية جرأة مركز القرار السياسي والأمني، وربما تدفع النتائج المحققة دون خسائر إلى خطوات أخرى أشمل وأكثر جرأة.