الحرب تعصف بالجامعة والمتعاقدون ضحاياها

أطلقت الجامعة اللبنانية عامها الدراسي واعتمدت التعليم عن بعد في مختلف الكليات، ذلك أن قسماً من مباني الجامعة في عدد من المناطق بات مشغولاً بالنازحين، والقسم الآخر تعرض لأضرار جراء الغارات الإسرائيلية، وخصوصاً مجمع رفيق الحريري في الحدت، وهو الأكبر لما يضمه من منشآت ومختبرات وقاعات، إلى عدد كبير من الكليات. أما القسم الثالث في مناطق آمنة فلم تستطع إدارة الجامعة إطلاق التعليم الحضوري فيه لأسباب لها علاقة بتوزيع الأساتذة والأرصدة، ولاعتبارات متصلة بعدالة التعليم. استندت الجامعة إلى تجربتها في التعليم عن بعد خلال مرحلة كورونا، وهو بات الخيار الوحيد الآن في ظل الأوضاع الاستثنائية المأزومة.

انطلاق التدريس في الجامعة لا يعني أن الأمور باتت على ما يرام وسط الحرب وتشتت أعداد كبيرة من الطلاب والأساتذة بفعل النزوح، فضلاً عن التعليم الجامعي، وخصوصاً التطبيقي منه الذي يحتاج إلى متابعة حضورية. وإذا كانت الجامعة قررت السير بالتعليم لاعتبارات أكاديمية، إلا أنها تعاني بسبب مشكلاتها الإدارية والمالية وعدم انتظام العمل الوظيفي فيها، أولاً بسبب الحرب، وثانياً بسبب تدني أرقام موازنتها التي لا تجيب عن التحديات الماثلة في ظل الأزمة الراهنة، وثالثاً المعضلات التي تتعلق بكادرها الأكاديمي، وخصوصاً المتعاقدين الذي يشكلون الأكثرية بين أفراد الهيئة التعليمية، وتبلغ نسبتهم نحو 68 في المئة. 

والحال هذه، سيواجه التعليم عن بعد العديد من الأزمات ما لم يُنظر إلى المتعاقدين لإنصافهم، أقله مالياً، ثم إعادة طرح ملفهم للتفرغ ومساواتهم بزملائهم المتفرغين وفي الملاك. المتعاقدون التحقوا بالتعليم عن بعد توازيا مع طرح مطالبهم إلى جانب التفرغ، أي أجر الساعة والإنتاجية وبدل النقل، وهي حقوق كانت منحت لأساتذة الملاك والمتفرغين أضعافاً عما يناله المتعاقدون، فيما بدأ يظهر شرخ بين فئات الأساتذة في الجامعة، يستدعي التحرك من المعنيين لمعالجة ما يرتبه الأمر من أخطار على العلاقات داخل الجامعة، ولما يسببه من تدخلات تحاول قوى وأحزاب توظيفها لمصلحتها، حيث لا تزال الفيتوات قائمة حول ملف التفرغ الذي جرى تعطيله قبل أن تنشب الحرب الإسرائيلية على لبنان.  

لا يمكن استمرار التعامل مع المتعاقدين على النحو الذي شهدناه خلال الفترة السابقة، والأمر يتعلق بالأحزاب أولاً التي عملت في فترات سابقة على تضخيم الملف، ثم تعطل ملف التفرغ كله، فيما إدارة الجامعة لم تمنح المتعاقدين بدلات إنتاجية مناسبة لعطاءاتهم، أقله لناحية مساواتهم بمتعاقدي التعليم الثانوي. فالمتعاقد الذي لديه نصاباً من 250 ساعة سنوياً لا يتقاضى بعقد المشاهرة أكثر من 400 دولار شهرياً مع الإنتاجية، فيما ينال المتفرغ نحو 1400 دولار إنتاجية ومساعدة شهرية غير الراتب. 

تغالب الجامعة تداعيات الحرب اليوم، فيما المتعاقدون ضحاياها، وعلى المعنيين إعادة النظر في أوضاعهم أولاً، ثم إعادة تحريك ملف تفرغهم حتى في أوقات الأزمات. غير ذلك ستكون الأخطار محدقة بالجامعة ودورها وسمعتها.