الحرب مع إسرائيل أضعفت "حزب الله"... لكن ماذا حلّ بشبكته المالية؟ ‏

مع مرور عام على حرب دامية مع إسرائيل خرج منها ‏ضعيفاً، لا يزال حزب الله اللبناني قادراً على الدفع لمقاتليه ‏وتمويل شبكة مؤسساته التي تواصل عملها، وفق خبراء ‏وإفادات شهود تحدثوا إلى وكالة الصحافة الفرنسية. 

وبموازاة الضغط الداخلي والخارجي لتجريده من سلاحه، ‏يواجه الحزب كذلك ضغطاً غير مسبوق على شبكته المالية ‏الواسعة. ‏

كلام توم براك يتفاعل

في مقابلة مع محطة "سكاي نيوز" عربية، الإثنين، قال ‏المبعوث الأميركي توم براك إن حزب الله "يتلقى 60 مليون ‏دولار شهرياً"، لم يحدد مصدرها.‏

وتحدّثت وكالة "فرانس برس" مع عدة أعضاء ومناصرين ‏لحزب الله، وقد أكدوا جميعاً طالبين عدم الكشف عن هوياتهم، ‏أنهم ما زالوا يتلقون مدفوعات شهرية.‏

ولا يزال حزب الله حتى الآن يدفع رواتب لمقاتليه تتراوح ما بين ‏‏500 و700 دولار، وفقاً لعناصر في الحزب، في بلد يبلغ ‏الحدّ الأدنى للأجور فيه نحو 312 دولاراً.‏

وتقول أرملة أحد المقاتلين، الذين قضوا في الحرب الأخيرة، إنها ‏ما زالت تتلقى مدفوعات مثل بدلات إيجار، بحسب وكالة الصحافة الفرنسية.

يدير حزب الله شبكة واسعة من المدارس والمستشفيات ‏والجمعيات التي تخدم مناصريه بالدرجة الأولى، وهو بذلك يعدّ ‏‏"أحد أكبر الجهات المشغّلة في لبنان"، وفق ما يشرح الباحث ‏والخبير في الاقتصاد السياسي لحزب الله جوزيف ضاهر.‏

ويضيف الباحث أن حزب الله "يرزح بالتأكيد تحت ضغوطات ‏سياسية واقتصادية"، لكن "من الصعب جداً" معرفة مدى ‏تأثيرها الفعليّ عليه.‏

رقابة مشدّدة ‏
يفيد مسؤول في حزب الله، طلب عدم الكشف عن هويته، أن ‏التنظيم أنفق "مليار دولار" على شكل تعويضات ومساعدات ‏لنحو 50 ألف عائلة دمّرت منازلها أو تضررت بعد الحرب ‏الأخيرة، منذ وقف إطلاق النار في تشرين الثاني/نوفمبر ‏‏2024.‏

وغطّت هذه المدفوعات إيجارات منازل أو أثمان أثاث وترميمات، ‏وفقاً للعديد من الأشخاص الذين تحدّثت إليهم "فرانس برس".‏

ولم تتمكّن وكالة "فرانس برس" من التحقق من هذه الأرقام ‏بشكل منفصل.‏

لكن بخلاف ما حصل بعد حرب تموز/يوليو 2006 بين حزب ‏الله وإسرائيل، لم يتولَّ الحزب هذه المرة إعادة بناء المنازل ‏المدمَّرة بالكامل. وأكّد الأمين العام لحزب الله نعيم قاسم مرارا ‏أن على الحكومة اللبنانية تحمّل هذه المسؤولية.‏

ومنذ وصول حكومة جديدة إلى السلطة في لبنان بدعم من ‏واشنطن، صعّدت بيروت من رقابتها على تدفق الأموال إلى ‏البلاد من الخارج، ولا سيما من إيران، التي شكّلت على مدى ‏عقود الداعم الأبرز بالمال لحزب الله.‏

وأصدر المصرف المركزي اللبناني في تموز/يوليو قراراً يقضي ‏بحظر التعامل مع مؤسسة القرض الحسن، المرتبطة بحزب ‏الله، والخاضعة لعقوبات أميركيّة، والتي شكّلت متنفّساً للكثير من ‏اللبنانيين، سواء من الطائفة الإسلاميّة الشيعيّة، التي ينتمي إليها ‏حزب الله، أم من الطوائف الأخرى، في هذا البلد الواقع تحت ‏أزمة اقتصادية مستمرة منذ سنوات.‏

وسط هذه الضغوطات المالية، لا تزال مؤسسة القرض الحسن ‏تعمل بشكل طبيعي وفقاً لشهود. وتعرّضت مقار المؤسسة ‏لغارات إسرائيلية خلال الحرب الأخيرة.‏

وتمنح المؤسسة زبائنها قروضاً بالدولار في مقابل ضمانات ‏بالذهب بالقيمة نفسها.‏

وتروي زبونة أنها شعرت بالقلق بعد قرار المصرف ‏المركزي، لكنها مع ذلك تمكّنت من تسديد قروضها ‏واسترجاع ذهبها من دون صعوبات.‏

تدفق للنقد ‏
تعتمد المنظومة الاقتصادية لحزب الله بشكل كبير على شبكة ‏من الشركات ورجال الأعمال، فضلاً عن المبالغ النقدية التي ‏تدخل أحياناً عن طريق الرحلات الجوية، وفقاً لخبراء.‏

في شباط/فبراير، علّق لبنان الرحلات الجوية مع إيران، بعد ‏تحذيرات من إسرائيل التي اتهمت الحزب وطهران باستغلالها ‏لتهريب أموال لإعادة تسليح الحزب، وهو ما ينفيه مسؤولون ‏لبنانيون وحزب الله.‏

وقال مصدر أمني لبناني إن المسافرين الذين يصلون إلى ‏لبنان عبر الجو من دول يتلقّى منها حزب الله عادة الأموال، ‏من بينها العراق، باتوا يخضعون لتفتيش دقيق في مطار ‏بيروت.‏

ويقول سامي زغيب الباحث في مركز "مبادرة سياسات الغد"، ‏ومقره بيروت، لـ"فرانس برس": "أدرك المجتمع الدولي أن ‏حزب الله يزدهر في اقتصاد ضعيف وغير مستقرّ وقائم على ‏النقد".‏

ومنذ انهيار القطاع المصرفي اللبناني بعد الأزمة الاقتصادية ‏في العام 2019، أصبح النقد الوسيلة الأساسية للتعاملات في ‏البلاد.‏

ويشرح الباحث جوزيف ضاهر أن حزب الله ما زال يحتفظ ‏بمصادر دخل من "خلال مشاريعه التجارية الخاصة"، مضيفاً ‏أن "بعضها قانوني بالكامل، كما هو الحال في العراق ولبنان"، ‏بينما يعمل رجال أعمال مرتبطون بحزب الله في مناطق ‏أخرى من العالم.‏

في تقرير نشرته الحكومة الكندية هذا العام، ورد أن حزب الله ‏يستخدم عدة وسائل، بما في ذلك الأعمال التجارية والعملات ‏المشفّرة والتحويلات المصرفية والأموال الخيرية، لتلقي ‏‏"أموال مصدرها كندا".‏

وشكّل سقوط بشار الأسد في سوريا المجاورة في كانون ‏الأول/ديسمبر "الضربة الأكبر" لحليفه حزب الله، وفقاً ‏لضاهر.‏

ويشرح ضاهر "النقد كان يدخل وليس الأسلحة فقط" عبر ‏الحدود بين سوريا ولبنان خلال عهد الأسد، الذي شكّل ‏‏"مصدراً رئيسياً لتراكم رأس المال من خلال مختلف أنشطة ‏التهريب".‏