المصدر: المدن
الكاتب: دنيز عطالله
الجمعة 12 كانون الثاني 2024 11:32:03
لكن، لهذه الأسباب تحديداً، يُستعاد الكلام عن فرص ضائعة كان أمكن أن تُجنّب اللبنانيين بعضاً مما يعانونه راهناً، ويهدد آخر ما تبقى من "وحدتهم" الوطنية.
"نُداري المصالح اللبنانية"!
حين يقول أمين عام حزب الله، السيد حسن نصرالله، إنه يتجنب الحرب لأننا "نداري حتى الآن المصالح اللبنانية"، فإنه يقر، ضمناً، أن لا توافق في لبنان على شن حرب ولا قدرة للبلد على تحمّل تبعاتها. فلا إجماع، ولا حتى أغلبية وطنية، راغبة في هذه الحرب وتكبّد نتائجها. لكنه يقول أيضاً إنه، وحده من دون سائر اللبنانيين، قادر على خوض الحروب أو تجنبها. ومع ذلك فنصرالله يضيف "إذا شُنّت الحرب على لبنان، فإن مقتضى المصالح اللبنانية الوطنية أن نذهب بالحرب إلى الأخير من دون ضوابط".
من يحدد "مقتضى المصالح الوطنية"؟ وماذا يعني الذهاب بالحرب "إلى الأخير ومن دون ضوابط"؟
هذا الكلام منظوراً إليه من البيئات المعارضة لحزب الله، وهي متعددة الخلفيات والطوائف، يشرّع أبواب الأسئلة في دواخل هذه البيئات، طالما مساءلة المعني متعذّرة، دونها التخوين والتهديد.
البحث عن شقق في كسروان وجبيل
تزامن كلام نصرالله المذكور، الذي أتى بعد استهداف المسؤول في حماس صالح العاروري في الضاحية، مع كثرة الحديث عن الباحثين عن شقق للإيجار في مناطق المتن وكسروان وجبيل.
يؤكد رئيس اتحاد بلديات كسروان والفتوح، رئيس بلدية جونية جوان حبيش لـ"المدن" أنه "مع بداية الحرب في الجنوب، وتحديداً في تشرين الأول، استأجر عدد من الميسورين الشيعة منازل في كسروان وجبيل والمتن. الأغلبية، من بينهم، استأجروا في فاريا وفقرا وعيون السيمان. وأخيراً، شهدنا بعض الطلب على شقق في الساحل، ومن بينها جونية. لكن النسبة تبقى مفهومة ولم تُشكل ظاهرة".
وما يقلق حبيش فعلاً "التواجد السوري غير المنضبط وجماعة "الديلفيري".. ولكن لهؤلاء مقاربة أخرى.
من جهته، يؤكد أحد المسؤولين في الأجهزة الأمنية لـ"المدن" أنه "رُصدت أكثر من مجموعة أفراد كانوا يسألون في الساحل الكسرواني وبعض القرى الجبيلية عن شقق أو منازل مستقلة للإيجار. وبدت ملفتة كثافة الطلب وتزامنها في فترة واحدة". لا يجزم المسؤول إن كان البحث لأفراد أم منسق مع جهات حزبية، كما لا ينفي ذلك، مكتفياً بالاشارة إلى أن "التجاوب مع تأجير الوافدين كان أكبر في المتن وجبيل منه في كسروان".
لا يحتاج الواقع خبيراً في علم الاجتماع ليحلل أسباب تحفّظ بعضهم عن تأجير منازلهم، على رغم "الميركانتيلية" الشهيرة لجميع اللبنانيين.
الترميم في زمن العاصفة
ولكن أبعد من "تفصيل" تأجير المنازل ودلالاته، تأتي التهديدات الخطيرة جنوباً لتكشف عن عمق تزعزع الإجماع اللبناني. فكثير من اللبنانيين، خصوصاً المسيحيين من غير سكان الأطراف الجنوبية، لا يشعرون أنهم معنيون، في"العمق"، بما يحصل. كأن الحرب تدور على أرض أخرى، والمهم ألاّ تصل إليهم. يزداد الكلام عن "هم " و"نحن"، "ثقافتهم" و"ثقافتنا"، طموحاتهم وأحلامهم ومفاهيمهم وما يناقضها في "البيئة" المقابلة التي تفصل بينهما بضع عشرات كيلومترات.. تبدو، في الواقع، ضوئية.
صحيح أن لا أحد يرمم سقف بيته في زمن العاصفة. وقد يبدو الكلام اليوم عن مصارحة تعالج ما ختمناه على زغل الحروب والاقتتال و"طائر الفينيق" و"جناحيّ لبنان"، وغيرها من توصيفات متهالكة، ترميماً متأخراً جداً تحت عاصفة تهدد اقتلاع البيت لا سقفه فقط.
وهنا بالتحديد مصدر الخوف والقلق. فالبلد الذي لا يتشارك قسم كبير من أبنائه هموم القسم الآخر منه، ولا رؤيته لحاضره ولا لمستقبله ودوره وسياساته المختلفة من الاقتصاد إلى السياسة الخارجية، وما بينهما من سياسات داخلية ومالية وأمنية وحتى عسكرية، كيف يمكنه ادعاء أنه وطن وأن له القدرة على خوض مغامرات الحروب والصمود والانتصار؟.. إلا إذا كان ذلك على طريقة أحمد سعيد ومحمد الصحاف ومن ينتسب إليهما في التاريخين الحديث والقديم، ويبدو أنهم كثر.