المصدر: أساس ميديا
الكاتب: محمد قواص
الثلاثاء 18 شباط 2025 07:49:17
عاب الأمين العامّ لـ”الحزب”، الشيخ نعيم قاسم، على الحكومة اللبنانية عدم سماحها للطائرة الإيرانية الآتية من طهران بالهبوط في مطار رفيق الحريري في بيروت. كانت السلطات قد تلقّت إنذاراً من واشنطن بأنّ إسرائيل تهدّد بقصف المطار في حال تمّ استقبال الطائرة، فارتأت بيروت حماية المطار وركّاب الطائرة ورفض استقبالها. وجد قاسم في الأمر انتهاكاً للسيادة، معتبراً أنّه كان على الحكومة السماح للطائرة و”لنرَ ما الذي ستفعله إسرائيل”.
لنرَ. وكأنّنا لم نرَ. لا كشف في ما يمكن أن تفعله إسرائيل ولا مفاجأة في ذلك. دمّرت قرى جنوب لبنان ومدنه، وطالت نيرانها بيروت والجبل والبقاع والشمال. ارتكبت مجزرة “البيجر” وأطاحت بمجمّعات سكنية في “الضاحية”، وقتلت كبار قيادات “الحزب”، بمن فيهم أمينه العامّ. وفيما كان قاسم يستغرب ويتعجّب مصدوماً من سيادة قد مُسّت بقرار من حكومة بيروت، كان القصف الإسرائيلي مستمرّاً في جنوب لبنان، على مرأى ومسمع من المجتمع الدولي ولجنته المراقبة لاتّفاق وقف إطلاق النار.
في موقف “الحزب” ثابت لم يتحوّل، ولا يملك قدرة التحوّل. لا يهمّ أن تدمّر إسرائيل مطار العاصمة وحتى ارتكاب مجزرة بركّاب الطائرة، فكلّ ذلك تفصيل هامشي تعوّدت بيئة “الحزب” على دفع أثمانه من دون أيّ اعتراض. وإذا ما كانت “عراضة” طريق المطار واصطدامها بسيّارة لليونيفيل والاعتداء على عناصرها أصابت “الحزب” بارتباك، بين مواقف الدعم والتغطية ومواقف اتّهام الفوضويّين بارتكابها، فإنّ ذلك المشهد فضح التصدّع الذي أصاب “الحزب” في إدارة رسائله السياسية ودفعه بالناس نحو الميادين التي يجيد العبث بها.
نأي “أمل”
بدا الشقاق واضحاً في نأي حركة أمل بالنفس عن الإثم. اضطرّ “الحزب” إلى استدراك الأمر، والمسارعة إلى رأب صدع محتمل داخل جدران “الثنائي”، والالتحاق بجوقة المندّدين المستنكرين. بالمقابل انتشر “محلّلو” “الحزب” يبثّون كلمة “لكن” في تحليلاتهم. أطلّوا من على منابر الإعلام يوزّعون، بعيون ذابلة، إقراراً بأنّ ما حدث مستنكر ومدان.. إلخ، لتأتي الـ”لكن” بعد ذلك لتحشد خلفها كمّاً من الحجج والدفوع وقصائد الندب التي باتت بالية، متقادمة، أصابها عفن، تنتمي إلى مرحلة اندثرت ولن تعود.
يتصرّف “الحزب” وكأنّه نزيل فندق يشكو خدماته. “الحزب” جزء من هياكل الإدارة والسياسة في البلد، ممثَّل في برلمانه وحكومته، فما الحاجة إلى الذهاب إلى فتن الشارع وعدم حلّ أيّ معضلات من هذا النوع داخل الممرّات الدستورية؟ وإذا ما كان “الثنائي” ممثَّلاً في حكومة نوّاف سلام، وإذا ما كان الرئيس نبيه بري، رئيس مجلس النواب، السلطة الثانية في البلد بعد رئاسة الجمهورية وقبل الحكومة مجتمعة، فلماذا القفز لإقفال الطريق على المنفذ الجوّي الوحيد للّبنانيين قبل أن تتواصل حكومة البلد بحكومة إيران كما تفعل الدول لتدبير أيّ إشكالات بينها؟
فتّشَ “الحزب” عن حجج إضافية مفحِمة. خرج أحد منابره الإعلامية يستهجن أن لا ترسل حكومة البلد طائرات لبنانية لإخلاء المواطنين اللبنانيين العالقين في طهران. فعلت الحكومة الأمر، وتلقّت رفضاً إيرانيّاً، من دون أن يتسبّب الأمر بأيّ ضيق لدى الغاضبين من موقف عدائي ينال من سيادة البلد وكرامة حكومته ومصلحة اللبنانيين، الذين ينتظرون فرج العودة إلى بلادهم. ولم يسبّب الأمر، للمفارقة والغرابة، تبرّماً لدى اللبنانيين العالقين هناك من مبدأ منع طائرات بلدهم من نجدتهم من موقف حرج.
لا يهتمّ “الحزب” إلّا بما تراه إيران صواباً. هي تعليمات صدرت من هناك يتمّ تنفيذها بدقّة، لكن لأوّل مرّة بارتباك الهواة وصبيانيّة المبتدئين. لا يهتمّ “الحزب” بالطائفة، فهي وقود لا ينفد وطاقة لا تنضب جاهزة للذود بإخلاص عن خيارات “المقاومة” خارج البلد وداخله. مئات حضروا “ساحة المعركة” على طريق المطار مستفيدين من خطاب خبيث بدا أنّه “أمر عمليات” داهم بالندب على كرامة الطائفة كلّها، والتهويل باحتمال قيام الفوضويّين والجماعات غير المنضبطة بكبائر ربّما تقود إلى حرب أهلية باتت منشودة وحتميّة ومبرّرة.
تصرّفات غير قابلة للصّرف
لا شيء جديداً في سلوكيّات “الحزب” سوى أنّها لم تعد قابلة للصرف في هذه الأيّام. قبل “الحزب” على مضض قدر انتخاب رئيس للجمهورية، وابتلع علقم تسمية رئيس الحكومة، ومشى مضطرّاً في حكومته. لكن لا قبول لديه أبداً بمنطق الدولة ولا قدرة لـ”الحزب” على تحمّله. وستكون عذابات انتقاله من “جنّة” الميليشيا إلى “جحيم” الدولة أليماً موجعاً، وقد لا يقوى على عبور مساره ويسقط نهائياً في نهاياته. وحسناً فعلت سلطات بيروت السياسية والأمنيّة بالتعامل بحكمة في إدارة الموقف، سواء بالتعامل المنضبط للجيش مع المحتجّين، أم بالإجراءات التي اتّخذتها تحت سقف القانون وهياكل إنفاذه، أم من خلال التواصل الدبلوماسي الذي أجراه وزير الخارجية اللبناني بنظيره في طهران لحلّ مشكلة بدا فجأة في بيانات إيران الرسمية أنّها تفهّمتها وتبدي الاستعداد للتعاون لإيجاد حلول لوجستية لتجاوزها.
تستعدّ إيران للتعامل مع الواقع الذي تغيّر. تعبر نحو الحوار مع “الأخوة” في الولايات المتحدة، على حدّ تعبير الرئيس مسعود بزشكيان. تعُدّ العدّة للانكفاء داخل حدود البلد، والالتزام الدقيق بقواعد الدولة وأصول التعامل بين الدول. في هذا الوقت بالذات ينشر “الحزب” العبث ويشنّ حملة ضدّ الدولة في لبنان بعدما فقد إلى غير رجعة دويلته.