الحزب يستعدّ لأسوأ الاحتمالات.. ما خفي أعظم

دخل الحزب الحرب كجبهة إسناد لغزّة وبقرار فرضه الالتزام بمبدأ التضامن مع الشعب الفلسطيني من دون أن يكون شريكاً في توقيت المعركة. لكنّ إسرائيل تدفع به ليكون جبهة مواجهة، وهو ما يبرّر لها حرباً مفتوحة على لبنان تحوّل الأنظار عمّا يجري في غزة حيث يكبر مأزق حرب تخوضها بلا هوادة.

الثمن كبير وسيستمرّ دفعه ويزيد على مرأى ومسمع المجتمع الدولي، وبالأخصّ الولايات المتحدة الأميركية. ليس صدفة أن يستوعب الحزب في الآونة الأخيرة اعتراض حليفه على انخراط لبنان بوحدة الساحات وعدم الفصل بين جبهتَي غزة والجنوب اللبناني.

تدريجياً بدأ الحزب يتلمّس وجود مخاوف جدّية لدى اللبنانيين من توسّع الحرب لتشمل كلّ لبنان. لكنّ الحزب من موقعه لا يزال يدرج تهديدات قادة إسرائيل في سياق حملة التهويل المتلاحقة التي تتبرّع بترويجها جهات أوروبية، معتبراً أنّ هذه الحملة لا تقدّم ولا تؤخّر ولا تؤثّر على إمكانيات المقاومة ومعنويّاتها.

الاستفزاز الإسرائيليّ

تحاول إسرائيل استفزاز الحزب وجرّه إلى الحرب عبر توسيع دائرة استهدافاتها، فالاعتداءات وصلت إلى جدرا ثمّ توسّعت لتستهدف القرى من خارج الحدود المحاذية، وتتعمّد تحقيق أهدافها من دون أن يشكّل وجود المدنيين رادعاً.

تشير أوساط الحزب إلى أنّها تتعاطى مع الموقف واضعة في حسبانها أسوأ الاحتمالات للتصعيد وصولاً إلى حرب كبرى ومفتوحة، لكنّ تقديراتها تشير إلى أنّ التصعيد مضبوط وسقوفه واضحة للمقاومة وللإسرائيلي وإن حاول الأخير توسيع هوامشها في أماكن معيّنة.

حرب استخبارات وأدمغة

في الميزان العسكري الميداني، وضعت المقاومة أسوأ الاحتمالات، لكن لا تشنّ على أساسها حرباً مفتوحة بل تصعيداً بأسقف مضبوطة.

هي حرب أدمغة واستخبارات بين إسرائيل والحزب. ومعركة الذكاء الاصطناعي الذي تستخدمه إسرائيل في حربها لتحقيق أهدافها أينما وجدت وعلى أيّ بقعة جغرافية كانت، أبعد من هواتف ذكيّة واتّصالات، ومن أشخاص تمّ تجنيدهم للوشاية، وعددهم ليس قليلاً.

لكنّ لكلّ بقعة حساباتها وردّها الذي يتناسب مع حجمها في حسابات الحزب. لكن ماذا لو تمدّد العدوان إلى العاصمة وما بعدها؟ يقول الحزب: “الاستهدافات خارج دائرة الجنوب واردة، لكنّ احتمالاتها ضعيفة”.

لم يدخل الحزب بكامل عديده وعدّته في الحرب بعد. يمارس إجراءات دفاعية. عينه على مرحلة ما بعد غزة. حين يتمّ الاتفاق على هدنة، واحتمالاته قائمة ولو احتاجت إلى وقت، سيوقف هجوماته حتماً لأنّ جبهته هي جبهة مساندة، إلا في حال أصرّت إسرائيل على الانتقام منه باستمرار عدوانها منفصلاً عن هدنة غزة. حينها ستكون الحرب الشاملة حتمية. في تحليله أنّ حرب إسرائيل في الجنوب ربّما تستمرّ إلى أن يتمّ التوصّل إلى تسوية تشمل تنفيذ القرار 1701 والترسيم البرّي، أي التفاوض بالنار مثلما هو حاصل في غزة اليوم.

عروض مرفوضة من الحزب

يُسند الحزب مهمّة التفاوض وما يُعرض عليه من صيغ حلّ إلى الحكومة ورئيس مجلس النواب نبيه بري. كلّ ما تلقّاه عبرهما ومن خلالهما هو انسحاب قوات الرضوان إلى ما وراء الليطاني ووقف الهجمات وتسليم المنطقة على امتدادها لليونيفيل أو الجيش اللبناني.

يشترط الحزب لأجل ذلك انسحاباً إسرائيلياً من مزارع شبعا وتلال كفرشوبا والنقطة B1، وهذه البنود لم ترِد في حسابات أميركا، بينما تحدّثت عنها الورقة الفرنسية شرط تنفيذها على مراحل.

في قراءة الحزب لكلّ ما يتلقّاه من طروحات أنّ المطلوب واحد، وهو تأمين عودة المستوطنين إلى مستوطناتهم شمالي الحدود ونشر اليونيفيل أو الجيش على الحدود لناحية لبنان، وهذا ليس إلا تطبيقاً للقرار 1701 من جانب لبنان وحده، إذ ترفض إسرائيل الانسحاب من مزارع شبعا، كما ترفض وقف الطلعات الجوّية لطائراتها الحربية في سماء لبنان.

يستبعد الحزب الاحتمال الثاني، أي أن تستمرّ إسرائيل في حربها بعد اتفاق الهدنة. لكنّ وقت التوصّل إلى هذه الهدنة لم يحِن بعد. هناك مسار طويل تتعزّز خلاله احتمالات أن يبلغ التصعيد مداه في الفترة الفاصلة عن الاتفاق بحيث يسعى رئيس الوزراء الإسرائيلي بنيامين نتنياهو إلى تفريغ غضبه بهدف الخروج بنصر يعوّض عليه خساراته المتتالية.

بعد 140 يوماً يمكن اعتبار الحرب الدائرة في جنوب لبنان بين الحزب وإسرائيل حرباً غير اعتيادية، مفهومها مغاير لكلّ الحروب التي سبقت. لو كانت حرب مواجهة لسهل على الحزب خوضها، لكنّها الحرب التي تداخلت فيها عوامل السلاح المتطوّر مع التكنولوجيا الدقيقة وفرضت شروطاً مختلفة للّعبة. وعلى الرغم من ذلك يؤكّد الحزب أنّ ضرباته تؤلم إسرائيل وتعزّز الانقسام داخلها، إضافة إلى الخسائر البشرية وفي الممتلكات.