المصدر: النهار
الكاتب: روزانا بو منصف
الأربعاء 23 نيسان 2025 07:39:42
لم تدخل إيران المفاوضات مع الولايات المتحدة الأميركية حول ملفها النووي في شكل أساسي بالعدة أو الأوراق نفسها التي أمسكت بها في مفاوضاتها الأولى مع إدارة باراك أوباما. وبالتحديد، لم يعد بإمكان إيران الاعتماد على ميليشياتها أو تحالفاتها الإقليمية من أجل تقوية موقعها التفاوضي، إذ إن التراجع الدراماتيكي لحركة "حماس" والأكثر لـ"حزب الله" وفقدان سوريا كحليف خلطا الأوراق وأفقدا إيران قدرات كبيرة. لذلك لا ترى مصادر ديبلوماسية أن الخطاب التصعيدي للحزب أخيراً ورفع سقف شروطه إزاء إنهاء سلاحه يمكن أن يوفر لإيران أوراق قوة بالمعنى الذي كان يعبّر عن شروط إيران في السابق ولو أنه بادر إلى ذلك تزامناً مع انطلاق المفاوضات بين إيران والولايات المتحدة. فورقة الحزب كما ورقة "حماس" باتتا في مكان آخر ولا غطاء إطلاقاً لا داخلياً ولا خارجياً لاستمرار السلاح. والتعليق الساخر لنائبة موفد الرئيس الأميركي إلى المنطقة مورغان أورتاغوس بكلمة واحدة على كلام الشيخ نعيم قاسم رفضاً لنزع سلاحه يختصر النظرة الأميركية إلى فاعلية هذه الورقة أو جدواها.
وفر التعليق الذي أبداه السفير الإيراني في لبنان مجتبى أماني بأن "مشروع نزع السلاح مؤامرة واضحة ضد الدول" ربطاً واضحاً بين مسألة السلاح وقضايا إيران. قال "عندما تستسلم هذه الدول لمطالب نزع السلاح، تصبح عرضة للهجوم والاحتلال، كما حدث في العراق وليبيا وسوريا". وأشار أماني إلى أن "الجمهورية الإسلامية الإيرانية تدرك خطورة هذه المؤامرة وتهديدها لأمن شعوب المنطقة"، مؤكداً: "نحن نحذر الآخرين من الوقوع في فخ الأعداء. الحفاظ على الردع هو خط الدفاع الأول للسيادة والاستقلال ولا ينبغي تعريضه للخطر". هذا التدخل الواضح للسفير الإيراني في مسألة يُفترض أنها داخلية يرتبط كما تراه أوساط ديبلوماسية بمحاولة تعويم ورقة انتهت أو ضعفت جداً في نظر الخارج فيما توحي إيران بأنها لا تزال فاعلة. ويظهر تبعاً لذلك أن الحزب يواكب في مواقفه المفاوضات الإيرانية فيما تظهر إيران مواكبتها وعدم تخليها عن الحزب كذلك، ما يبقي على الزخم الشعبي الذي يحتاج إليه في بيئته.
ولذلك تعتقد هذه الأوساط أن الحزب يقارب موضوع سلاحه من باب رد الفعل أولاً لإظهار أنه ليس لقمة سائغة لا للداخل ولا للخارج ويتصرّف على هذا الأساس وهو رفع سقف شروطه أخيراً إلى ربط موضوع البحث في سلاحه بإعادة الإعمار وهي مدة قد تستغرق سنوات كثيرة لا أشهراً. ثم إنه يعتقد أنه طامح لا فقط إلى المحافظة على الكثير من مواقعه المتقدمة سابقاً بل والسلوك سلوكاً استفزازياً للطموح إلى المزيد في وقت ينظر فيه إلى الانتخابات النيابية المقبلة ويتمنّى عبورها وهو لا يزال محتفظاً بسلاحه على عكس الضغوط التي تمارس على لبنان. لكن الحزب لم يعد في موقع يستطيع فيه فرض شروطه ولا حتى إيران تستطيع فرض شروطها في لبنان ولم تعد تتمتع بالموقع نفسه. ولكن الحزب يمتلك ورقة الرفض المطلق في ظل إدراكه عدم الرغبة الداخلية في أي اشتباك قد يؤدي إلى حرب داخلية يُفترض أو يجب أن يخشاها هو كذلك بالمقدار نفسه. ولكن تعتقد الأوساط الديبلوماسية أن لدى الحزب إدراكاً تاماً كإدراك إيران لحاجتها الماسة إلى المفاوضات في هذه المرحلة لجملة اعتبارات ضاغطة ومتعددة من بينها أن الامور لن تعود إلى سابق عهدها. وتالياً لا يمكن ربط السلاح بإعادة الإعمار كما ربط سابقاً بمزارع شبعا أو بوجود إسرائيل أو باستعادة القدس. فكل هذه الأسباب أو المبرّرات بات لها ما يدحضها فيما هناك تحديات خطيرة قد تؤدي بالامور إلى ما هو أسوأ في مقابل وجود فرص كبيرة للاستفادة من الاتجاهات الإقليمية والعالمية والمحلية من أجل التوصّل إلى إنهاء داخلي لحال الدويلة أو الميليشيا بما يمكن أن يزيل مصدراً كبيراً لعدم الاستقرار ويتيح للبنان فرصة أن يكون دولة لم يعرفها الجيل الذي وُلد مع بداية الحرب في 1975. ولذلك يغلب الانطباع أن "تمرد " الحزب في موضوع سلاحه هو أقرب أيضاً إلى تجربة الدخول في بازار داخلي يمكن أن يتسبّب بإشكاليات للسلطات الناشئة بما قد يدفع الخارج إلى إهمال لبنان وتركه يتخبّط في مشكلته الداخلية وعجزه عن حسم نفوذ الدولة وسلطاتها إن لم تنجح في تنفيذ التزاماتها.
تبدو الأوساط الديبلوماسية واثقة على رغم التصعيد الخطابي للحزب بأنه مقبل على المرحلة التي يقودها رئيس الجمهورية برويّة وحكمة، إذ لا يستطيع أن يتحمّل استمرار الاستهداف الاسرائيلي لعناصره أو قياداته أياً تكن في الوقت الذي يعجز فيه عن الرد مهما تكن الظروف ولو أنه هدّد بالعكس مفسحاً المجال أمام الديبلوماسية. ولكن لا مسار غيره بالنسبة إليه وكل ما يفعله أنه يمكن أن يستدرج إسرائيل لتوسيع أو تكثيف ضرباتها والتسبب بإحراج للدولة اللبنانية وتأخير احتمالات تعافيها ومن ضمن ذلك تأخير فرص الإعمار في الجنوب. وهو سيتحمّل تالياً مسؤولية استمرار الاحتلال الإسرائيلي لنقاط خمس في الجنوب بالإضافة إلى منع التعافي أو إعادة الإعمار المشروطة إقليمياً ودولياً وفق ما بات معروفاً بإصلاحات سياسية واقتصادية وأمنية.