الحكومة ستردّ على "ورقة باريس" بـ"ضمان مصلحة لبنان"

على رغم اهتمام أكثر من عاصمة بالأوضاع في داخل لبنان وعدم قدرة كتله على انتخاب رئيس للجمهورية زائد متابعة التطورات العسكرية الخطرة في الجنوب التي من غير المؤكد بعد أنها لن تتجه الى حرب كبرى، تسارع باريس الى محاولة التوصل الى مشروع حل على الحدود مع إسرائيل سيكون وقعه إذا نجح أقوى من المفاوضات الدائرة على خطوط جولات باريس والدوحة والقاهرة مع الاسرائيليين وحركة "حماس" إذا تم وقف نهائي لإطلاق النار أو الدخول في هدنة على مدار 45 يوماً والبدء بها قبل حلول شهر رمضان.

وبالنسبة الى لبنان تبقى الورقة الفرنسية التي أشرف وزير الخارجية ستيفان سيجورنيه على بنودها في مقدم الطروحات التي يمكن البناء عليها. وكان الرئيس نبيه بري أول من اطلع عليها بنسختها الانكليزية في إشارة الى أنها جاءت بالتنسيق مع واشنطن وهذا ما يعتقده رئيس المجلس من خلال اتصالاته الديبلوماسية المفتوحة مع أكثر من طرف. وكان رده على رئيس الديبلوماسية الفرنسية بالمباشر فضلاً عن وفد الكونغرس الذي حلّ في بيروت بأن لبنان متمسك بالقرار 1701 وأنه على كامل الاستعداد لتطبيقه.

ومن ملاحظاته على الورقة أنها تحوي جملة من العناصر الايجابية التي يمكن البحث في مضمونها وأن هذا الامر يتوقف على أهمية وقف النار في غزة والجنوب. ومعلوم أن الرد على باريس في هذا الخصوص يتولاه رئيس الحكومة نجيب ميقاتي ووزير الخارجية عبد الله بوحبيب. وباشر الرجلان البحث في تفاصيل بنودها وتم تشكيل فريق مشترك لهذه المهمة على أن يكون الرد على الفرنسيين في أقل من أسبوع. ولا يريد لبنان إلا التعاطي بإيجابية مع هذه الورقة وأن ما يريده هو التوصل الى حل دائم وليس نصف حل. ولن يكون "حزب الله" بعيداً من مضمون الرد المنتظر سواء بواسطة قناته المفتوحة مع الحكومة أو عبر بري، وما لا يوافق مصلحة لبنان سيُعترض عليه أو يُرفض بالطبع لأن الورقة تتضمّن نقاطاً لا تناسب البلد من حيث المبدأ ويمكن لإسرائيل الاستفادة منها على حساب اللبنانيين. وفي موازة المساعي الاميركية والفرنسية يظهر أن باريس لا تؤيد وجهة نظر واشنطن حيال وقوفها المفتوح مع إسرائيل ومن دون شروط، ويُنقل عن الفرنسيين هنا أنه صحيح أنهم لا يلتقون مع "حماس" وعلى صداقة وتعاون مع تل أبيب إلا أنهم لا يقبلون بالقفز فوق ما يريده لبنان. وتعتقد باريس كذلك أن من المبكر البت في مسألة تثبيت الحدود بين لبنان وإسرائيل على خلفية النقاط البرية المتنازع عليها بين الطرفين وصولاً الى تلال كفرشوبا ومزارع شبعا اللبنانية المحتلة. وتغمز باريس هنا بحسب مصدر ديبلوماسي من قناة المستشار في البيت الابيض آموس هوكشتاين بأن من الصعوبة الآن تطبيق ما حمله في مسألة البت في مصير الحدود مع إسرائيل.

أما في الملف الرئاسي الذي ما زال متعثراً رغم حركة المجموعة "الخماسية" والحراك الذي يدور في الداخل في الايام الاخيرة بواسطة كتلة "الاعتدال" الشمالية فلا يمكن الحسم بأن الطريق أصبح معبّداً أمام التوجه الى جلسة انتخاب للرئيس في وقت قريب ما دامت الكتل النيابية الكبرى على خياراتها الانتخابية، وإن صدرت منها تصريحات مشجعة إلا أنه لا يمكن "تقريشها" بعد. ويتوقف الفرنسيون عند التفاتة السعودية في بيروت بواسطة سفيرها وليد بخاري وأنها جاءت بناءً على طلب الرئيس إيمانويل ماكرون من ولي العهد محمد بن سلمان الذي ركز على أن المملكة قادرة على القيام باختراق في لبنان نظراً الى حضورها التاريخي في هذا البلد وتأثيرها على مناخات أكثر من كتلة نيابية الامر الذي يساعد في انتخاب رئيس الجمهورية المنتظر. ولا يخفي ديبلوماسي فرنسي في معرض تعليقه على هذه النقطة بأنه يمكن التوصل الى أسماء مارونية قادرة على أن تكون في سدة الرئاسة من غير الوجوه المطروحة مما قبل انتهاء ولاية الرئيس ميشال عون. ولم تحسم المصادر موعد حضور الموفد الفرنسي جان-إيف لودريان الى بيروت وترفض القول إن زيارات الرجل لم تنتج أموراً إيجابية بل على العكس ترى أن اتصالاته جنّبت لبنان الكثير من المشكلات بين الكتل النيابية في أكثر من محطة.

من جهة أخرى ترفض باريس الاتهامات التي تطاولها عند قول جهات لبنانية إن شركة "توتال" عمدت عن قصد الى القول إنها لم تعثر على كميات غاز إبان عملية الحفر في البلوك رقم 9 وليس من الضرورة أن تكون كل منطقة هذه البئر خالية من مواد نفطية "ولا توجد" أي مؤامرة من الفرنسيين وغيرهم من الشركاء مع "توتال". وتعلق مصادر لبنانية بأن ما حصل في حقل قانا يرجع ربطه الى وقف إسرائيل أعمال إنتاجها في حقل كاريش.

وفي موضوع آخر تقول فرنسا إنها لا تؤيّد ما أقدمت عليه أميركا وبلدان غربية أخرى في تعليق تقديم منحها المالية لوكالة "الأونروا" تحت حجة أن مجموعة من الموظفين في غزة شاركوا في عملية "حماس" في السابع من أكتوبر الأمر الذي لم تثبت صحته بعد في انتظار التحقيقات "ولو أن هؤلاء شاركوا في هذه العملية من غير المنطقي ولا المقبول تحميل عمل هؤلاء على الوكالة والمهمات التي تؤدّيها"، وأن باريس في النهاية ستستمر في دعم هذه المؤسسة نظراً الى موقعها وأهميتها في يوميات اللاجئين الفلسطينيين في غزة وخارج أراضيهم.