الحكومة والوقت الداهم: لبنان كله أم "الحزب" وحده سيدفع الثمن؟

خيارات ومسارات متضاربة تحكم الواقع اللبناني، خصوصاً ما يتعلق بآلية التعاطي مع الضغوط الخارجية، ولا سيما الأميركية، لأجل الوصول إلى علاج لملف سلاح حزب الله. الخيار الأول هو ما يعرضه رئيس مجلس النواب نبيه بري لجهة وقف الضربات والاعتداءات الإسرائيلية، والانسحاب من عدد من النقاط في الجنوب، كي يتم التواصل بجدية مع حزب الله حول مضي لبنان باتخاذ قرار واضح حول سحب السلاح، ووضع جدول زمني مع آلية تنفيذية. وحينها تتحمل الدولة اللبنانية مسؤولياتها ويمكن عندها محاسبتها على التقصير. 

أما الخيار الآخر فهو تزايد الضغوط الخارجية، لجهة رفض إعطاء أي ضمانات للبنان أو لحزب الله، خصوصاً أن إسرائيل تعتبر الحزب في موقع غير القادر على فرض شروط. وحسب ما يتسرب من أجواء ديبلوماسية، فإن تل أبيب لا توافق على كل الطروحات اللبنانية. في هذا السياق، تتكرر الرسائل الدولية في سبيل اتخاذ خطوات عملانية من قبل الحكومة، على قاعدة أن الوقت يضيق وقد أصبح داهماً، وأن إسرائيل هي التي ستفرض جدولها الزمني وآلية عملها، في حال لم يتعامل لبنان جدياً مع ملف السلاح. 

خياران صعبان

في هذا السياق، هناك محاولات أيضاً لتخيير لبنان بين أن يدفع الثمن كدولة ومجتمع وحزب الله جزء منها، في حال لم تقدم السلطة مجتمعة على اتخاذ القرارات اللازمة والإجراءات المطلوبة، والتعاطي بجدية بعيداً عن "إعلانات النوايا". وبين أن يتم تحييد الدولة عن حزب الله لتدفيعه الثمن لوحده، وذلك من خلال الدفع باتجاه اتخاذ قرار واضح من قبل مجلس الوزراء، يقضي بحصر السلاح بيد الدولة وسحب سلاح كل المجموعات الخارجة عن نطاق سيطرة المؤسسات الرسمية. هذان الخياران تنقسم الاتجاهات حول تفسير تداعياتهما. 

فمن جهة هناك من يستصعب القدرة على عقد جلسة للحكومة، تتخذ فيها قراراً واضحاً بسحب سلاح الحزب، واتخاذ إجراءات تنفيذية، أولها الإعلان عن قرار سياسي ممنوح للجيش اللبناني كي يبدأ عملية سحب السلاح من كل المناطق والمواقع وفق آلية محددة. هنا ثمة من يعتبر أن الثنائي الشيعي سيقاطع أي جلسة كهذه، ولن يعطي شرعيته لأي قرار من هذا النوع. بينما آخرون يعتبرون أن الحزب لن يكون قادراً على المقاطعة، وإن قاطع الوزراء المحسوبين عليه فإن الحكومة لا تفقد نصابها، إلا في حال تشكل تحالف واسع إلى جانب الحزب يرفض ذلك. ويستند هؤلاء إلى أن حزب الله لن يكون قادراً على مواجهة الحكومة ولا الدولة ولا القرارات التي ستتخذها، لا بل سيكون مضطراً للتعاطي بواقعية تماماً كما تعاطى مع الوقائع في جنوب نهر الليطاني. ويستعيد هؤلاء الأيام الأولى لوقف إطلاق النار والتصريحات التي أطلقها الحزب في حينها، معلناً أنه لن يوافق على تسليم أي قطعة سلاح، إلا أنه فيما بعد عاد ووافق وسلّم الكثير من المخازن للجيش وتخلى عن الكثير من بنيته العسكرية.

طروحات بري

كما هو الحال بالنسبة إلى اختلاف التقديرات لما سيفعله الحزب تجاه هذا الاستحقاق.. هناك اختلاف في القراءات لآلية التعاطي الدولي والأميركي مع لبنان. هناك من يعتبر أن الولايات المتحدة الأميركية تريد عزل حزب الله أكثر فأكثر، في حال لم يوافق على الشروط المفروضة، وهذا ما يدفع البعض في واشنطن إلى إعطاء هامش تحرك لرئيس مجلس النواب نبيه بري. وبعض هؤلاء يتعاطون بإيجابية مع طروحات بري، لجهة الحصول على ضمانات بعدم مواصلة إسرائيل لضرباتها واعتداءاتها والانسحاب من بعض النقاط من الجنوب كي يتحرك هو باتجاه الحزب، فإما أن يكون الحزب مجبراً على الانصياع بناء على تعهدات بري وعلى ما بينهما من تشاور. وإما أن لا يوافق الحزب وعندها ستقع المشكلة الكبيرة داخل الثنائي الشيعي. 

بالنسبة إلى أصحاب هذا المنطق، فهم يعتبرون أن منطق ممارسة الضغوط والمكاسرة ضد حزب الله أو الثنائي الشيعي، سيضع الشيعة في خانة شعور خوض حرب وجودية، وهو ما سيدفعهم إلى التوحد أكثر خلف موقف واحد، بينما هناك مصلحة للكثيرين في الداخل والخارج في إبعاد بري عن حزب الله. في المقابل، هناك ما لا يعير اعتباراً لكل هذه الحسابات، ويرى أن هناك مساراً قد فتح في المنطقة ككل ولا بد له أن يسري على لبنان، وهو أن ملف السلاح أصبح مطروحاً على الطاولة ولا تراجع عنه، ويجب على حزب الله الموافقة على الانخراط في المسار الجديد الذي يفرض عليه التخلي عن السلاح، هذا ما لا يزال الحزب يرفضه كلياً.

من الواضح أن الضغوط ستتزايد على المسؤولين اللبنانيين لوضعهم أمام مسؤولية اتخاذ قرار، وما تريده القوى الدولية هو أن يُتخذ هذا القرار من قبل مجلس الوزراء، أي فرض عقد جلسة حكومية يكون ملف السلاح مدرجاً على جدول أعمالها، وتتخذ قراراً واضحاً بشأن سحبه من كل المجموعات والأحزاب وحصره بيد الدولة اللبنانية. ولكن حتى لو حصل ذلك، يبقى السؤال الأساسي أو التحدي الأكبر هو الآلية التنفيذية التي سيتم اتباعها، وكيف سيتحقق ذلك، وإذا كان بإمكان تحقيق هذا الهدف، طالما أن حزب الله يرفض البحث بسحب السلاح قبل الحصول على الضمانات اللازمة، أمنياً وعسكرياً وسياسياً.